14-08-2013 02:45 PM
بقلم : سامي شريم
إن مايجري على الساحة الأردنية من مظاهر للعنف والبلطجة والتجاوز على القوانيين والأعراف المجتمعية رغم وجود النصوص والقوانيين الكفيلة بالحد والسيطرة على مثل هذه التجاوزات ماهو إلا دليل قاطع على غياب هيبة الدولة التي تمنع الفرد ابتداءً من التفكير في تجاوز القانون عدا الإعتداء عليه فما الذي جرى حتى وصل الأردنيون إلى هذا المستوى من القدرة على التجاوز والإساءة للقانون والقائمين عليه ، وبدل أن نتحدث عن هيبة اصبحنا نتحدث عن خيبة !!.
بلا شك أن ضُعف القائمين على القانون وعدم احترامهم لهيبته هو ما دعا الآخرين الى مشاركتهم الاستخفاف به وبهم بالتبعية فلو تم تطبيق القانون بصرامة على من يكون بغض النظر عن موقعه هو ومن ورائه ، أياً كان لما وصلنا الى هذا الحال فقد وصل الاستهتار حداً منع الجادين في تطبيقه من استخدامهم هذا الحق بعد تدخل من يسمون أنفسهم بعلية القوم تارةً وبالنخب السياسية تارةً أخرى وقد اعتبر من يحافظ على القانون ويحترم نصوصه مُناكفاً وتم الإعتداء عليه بإقالته و او استبعاده بطريق النقل إلى المناطق النائية ليكون عبرة لغيره ما أدى إلى تجذير حالة التراخي لدى الجميع وصار القانون لا يطبق إلا على الضعيف وقد ازدادت مراكز القوة عدداً ونفوذاً بعد تعدد أقطابها بتوزير 650 لا زالوا على قيد الحياة وأربعة عشر رئيس وزراء لا زالوا أيضا على قيد الحياة ، وموجات النواب الجديدة في المجالس الأربعة السابقة التي لم يكمل أياً منها مدته القانونية ، إضافة إلى جيوش الباشاوات من المخابرات والجيش والأمن العام ولا ننسى من يحمل لقب عطوفة ونيافة وسماحة من اصحاب الحظوة أو الحذوة أحياناً، عدا عن الشيوخ الحقيقيين والمزورين والوجهاء والمخاتير وابنائهم وانسبائهم وزبانيتهم ، فلم تستطع الدولة استمرار الصمود أمام هذه القوى و لا أن تلتزم بما صاغته من أنظمة وقوانيين وصار التجاوز على القانون والدستور أحياناً أمراً طبيعياً مُستساغاً بل مجالاً للتفاخر وإظهار الذات وتباري الجميع بتفصيل القوانين والمؤسسات والدوائر واستحداث الوظائف والمُسميات للمحاسيب والمعازيب بسلطان وبدون سلطان .
كل ما تقدم كوم !! والفتونة والفلهوة والبلطجة كوم آخر!! فقد نشأت طبقة جديدة من اصحاب السُلطة خارج إطار القانون شاركت في إرضاء بعض الجهات والأشخاص والأجهزة وقامت بأدوار خدمية فوق القانون وسمح لها بالإعتداء على الأشخاص والأموال بهدف إسكات بعض التيارات السياسية وإخافتها تحت مُسميات متعددة موالاة وزعامات وطنية وشبابية وغيرها ، واحتكروا حب القائد والولاء له أمام تيارات سياسية قامت بالتعبير عن مواقفها الإصلاحية عن طريق التظاهر والمسيرات والاعتصامات ، وبغض النظر عن الاتفاق والاختلاف مع هذه التيارات فما دام الدستور يمنح هذا الحق للمواطن الأردني وما دامت الدولة أقرت بدورها في قيادة البلاد ضمن هذا الدستور فإن مؤسسات الدولة فقط هي المعنية والمنوط بها حفظ الأمن والنظام بعيداً عن الإستعانة بقوي البلطجة والتسلط ما حدا بهذه القوى إلى الإستقواء على الدولة وسُلطتها ما دامت ترى نفسها تُمارس أعمالها خارج الإطار القانوني تحت سمع و بصرالأجهزة المنوط بها تطبيق القانون ما حدا بهذه القوى الناشئة إلى تحدي القانون والنظام والتوسع في تنظيم عملية البلطجة والخاوة لتحقق مكتسبات شخصية أدت بالنتيجة للإجهاز على ثوابت وحيثيات القانون .
وهنا بدأت عمليات الاعتداء المُمنهج خارج مؤسسات الدولة فأصبح تحصيل الحقوق وتنفيذ شهوة الانتقام لمن يملك ويدفع وسيلة للانتفاع وتصفية الحسابات ونفذ البعض من خلال ثغرات القانون ليوصل بعض الشرفاء والملتزمين إلى السجون بالطرق القانونية عن طريق الإعتداء عليهم والتقدم بشهود كاذبين، وأصبحت صناعة للبعض وطرق تكسب سريع واحترام وتقدير نتيجة الخوف والرهبة من الابتلاء بمصائبهم وصار أي مواطن أردني مُعرض للسجن نتيجة أية دعوى كاذبة كيدية عن طريق الاتجار بالشهود والوقائع وأمام بيروقراطية الأجهزة وتسلطها ومنع البريء في الإدلاء بأقواله حتى يحين دوره والذي يحين أحياناً بعد رحلة طويلة من الحجز في الزنازين والسجون ، وبذلك ازدهرت صناعة البلطجة بعد أن اصبحت الدوائر الأمنية تُشجع الحلول خارج المؤسسات الأمنية ودور القضاء ورأينا من تسرق سيارته ينصح بتسوية القضية مباشرةً مع السارقين وبالرضوخ لطلباتهم حيث الطريقة الأسلم والأسرع والأوفر والأضمن في استعادة السيارة المسروقة وهذه القصة اصبحت معروفة ومتداولة تصل إلى درجة العُرف الذي يعتبر أحد مصادر القانون .
اصبح هذا الواقع للأسف معروفاً بالنسبة للأردنيين وضيوفهم ما حدا بحرس السفير العراقي وآخرين القيام بعدوانهم المتلفز على بعض أقطاب السياسة والعمل النقابي الأردني في قضية كادت تداعياتها أن تُطيح بالعلاقة بين الأردن والعراق لولا تهاون الحكومة في التعامل مع الملف لوصلت الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه وبما يهدد علاقة الأخوة وحسن الجوار .
ومن باب الاختصار وعدم الإطالة فمهما امتلكت الدولة من أنظمة وقوانين ومهما واكبت هذه التشريعات متطلبات المرحلة فأن هيبة الدولة هي الأساس في الالتزام بهذه القوانين والأنظمة وهيبة القائمين على تطبيقها معيار مهم لالتزام الناس بها بعد ذلك يصار الى احترام هذه القوانيين واكسابها الهيبة الواجبة والمستمدة من هيبة الدولة وهيبة القائمين عليها .