15-08-2013 09:22 AM
بقلم : د.عبدالله عامر البركات
يرى بعض علماء علم النفس الاجتماعي ان العنف غريزة اصيلة في النفس الانسانية , وان الاختلاف بين الشعوب والمجتمعات هو في طريقة اظهاره . وبنظرة على عادات الشعوب نجد مظاهر العنف بإشكالها المختلفة منتشرة عند الجميع. وعادة ما يختار الانسان فردا كان او جماعة موضوعا للعنف ليمارس عليه فطرته القاسية. فقد تتجلى تلك النزعة في صراع القبائل على الماء والكلأ. او في صراع الدول على الثروات والحدود. وقد يكون الضحية شعبا او انسانا او حيوانا او حتى جمادا. ففي حالة الحروب تفرغ الشعوب قسوتها على بعضها البعض.وفي حالة السلم تختار الشعوب ما تفرغ عليه تلك القسوة . ويتفنن الحكام في ايجاد موضوع مناسب لذلك. فكثير من مباريات الرياضية عامة و كرة القدم خاصة هي تنفيس عن تلك النزعة. وما يقوم به الاسبان من صراع الثيران ما هو إلا شكل من اشكال العنف تم توجهه الى الحيوان.وبدون وجود عدو خارجي او رياضة جاذبة او حيوان يستحق القسوة يلجأ الناس الى العنف الداخلي . فتثور الصراعات لأتفه الاسباب. ويستحضر المتخاصمون كل القيم النبيلة في الصراع حول قضايا تافهة. فالانتصار للكرامة , ورفض الضيم , والانتصار للقريب كلها قيم عليا تَسقُط وتُسقَط على اتفه الصراعات , كما يحدث في الشجارات اليومية التافهة. أما اذا انشغل الناس بقضايا اكبر وصراعات خارجية أخطر تلاشت الصراعات الداخلية. وبدلا من ان يكون الهدف صغيرا يصبح الهدف كبيرا وجديرا بالاحترام . لذلك يحرص القادة العظام على توفير عدو خارجي لشعوبهم. وقد كان العدو الرئيس للشعب الامريكي في الحرب الباردة هو المعسكر الشرقي. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي اخترع الغرب عامة وأمريكا خاصة عدوا جديدا قديما هو الاسلام. رغم انه كان حليفا قويا ايام الحرب الباردة. وكما في المثل المحلي : انا واخوي عابن عمي وانا وابن عمي علغريب.
أما الاسلام فقد تعامل مع هذه النزعة البشرية بطريقة مثلى. فقد منع الصراع بين المسلمين وقيد الصراع مع العدو برد العدوان او نصرة المستضعفين وقهر الجبابرة وتمكين الناس من حرية الاعتقاد والقول والعمل. فضمن للنصراني ان يقول ان عيسى هو ابن الله وان يبني كنيسته ويصلي صلاته وكلف الدولة الاسلامية بحمايته. وجعل مثل ذلك لليهودي وللصابئي. كما اتاح للمسلم هدفا مشروعا للعنف الرمزي وهو الشيطان . فقد اباح بل اوجب لعنه ورجمه . كما جعل لكل انسان عدوان دائمان مرافقان يستوجبان منه الحذر والإرغام , ألا وهما الهوى والنفس الامارة بالسوء. فحقق بذلك ترقية للنفس وتزكية . وكما قال الله تعالى" ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " وكما قال الشاعر استلهاما لمعان قرانية :
وخالف النفس والشيطان واعصهما----وان هما محضاك النصح فاتهمِ كما ان الاسلام قاوم الخصومات في المجتمع . وجعل الترفع عنها قيمة عليا. والتسامح فضيلة كبرى .والدفع بالتي هي احسن سياسة مثلى.
ان سبب العنف في المجتمعات العربية والاسلامية هو غياب التربية التي تشخص للناس العدو الداخلي الحقيقي . والغيظ الناتج عن مجابهة العدو الخارجي . وهذا يفسر القسوة المذهلة المخجلة التي تظهر في الصراعات الداخلية. كما في سوريا والعراق في الحروب الطائفية. أما في مصر فقد سقط في اختبار العنف كل الاطراف من علمانيين وجيش وشرطة, ولم يسلم منها الا من كانت تربية تربية اسلامية صحيحة.