21-08-2013 09:43 AM
بقلم : د.امديرس القادري
والسلطة المقصودة هنا وبغض النظرعن كثرة وتعدد المسميات هي السلطة " الوطنية " الفلسطينية ، والتي يحلو للبعض أن يسميها أيضا بسلطة رام الله ، أو سلطة الرئيس محمود عباس وفريقه المتساوق والمنسجم معه في الغايات والأهداف ، وهم في غالبيتهم قادمون من حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح – التي تهيمن وتسيطر على أغلب المواقع المسؤولة في هذه السلطة ، وبالتالي فهي التي ترعى وتدير معظم شؤونها وأنشطتها ومواقفها وسياساتها إن كانت موجودة على أرض الواقع ومن حيث المبدأ !.
لن نعود إلى الوراء لتوضيح أسباب النشأة والتكوين والغايات المشبوهه من وراء وجود هذه السلطة ، فهذا أصبح واضحا ومعلوما عند الغالبية العظمى من أبناء شعبنا الفلسطيني أولا ، وعلى الصعيدين العربي والدولي ثانيا ، فهذه السلطة باتت تحتل زوراً وبهتاناً موقع التمثيل للفلسطينين خصوصا بعد أن إنهارت منظمة التحرير الفلسطينية وهوى سقفها على رؤوس مؤسسيها من الفصائل والمؤسسات الوطنية التي كانت في الزمان الغابر تشكل قواعد وأعمدة فعل وحركة هذه المنظمة التي تلاشت وإندثرت ولم يتبق منها اليوم سوى أحرف اسمها .
الصفحات السوداء ، والمذلة ، والمشينة التي دأب الفاسدين والمتسلقين على تسطيرها لتاريخ هذه السلطة منذ إعلان قيامها قبل عقدين من الزمن هي أكثر بكثير من أن يتم تناولها في مقال محدود بعنوانه وحجمه ، ولذلك فإننا نريد الوصول إلى جديد هذه الصفحات وليس آخرها ما دام حبل هذه السلطة ممدود على جرارها ، وما دامت جاهزة وعلى أهبة الإستعداد دائما للإنخراط والمشاركة في كل ما هو مشبوه قياساً للمبادىء والثوابت والقيم التي إنطلق من أجلها نضال وكفاح شعبنا وفصائله الوطنية .
ندخل في صلب موضوع مقالنا هذا الذي يحاكي تراجع وتخلي هذه السلطة عن كل لاءاتها المتعلقة بالإستيطان ، وحدود الدولة ، والقدس والتي كانت تتذرع بها عندما كانت تمانع في العودة إلى مائدة المفاوضات المباشرة مع عدونا الصهيوني ، وهذا ما انقلب رأساً على عقب وكتحصيل حاصل للجهود التي بذلها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي " أفلح " في إعادة الطرفين إلى المائدة حيث يفترض أنهما ينفذان الآن لقاءهما الثاني وبعد إنقطاع شكلي امتد ثلاث سنوات .
وسائل الإعلام المختلفة ، وأغلبية المراقبين والمتابعين لأمور هذه المفاوضات ركزوا كثيرا على اللقاء الثنائي الذي انعقد في أواسط شهر رمضان بين السيد كيري والرئيس عباس في العاصمة الأردنية عمان ، وأفادت هذه المصادر أن هذا اللقاء الذي ابتدأ بتناول طعام الإفطار وانتهى مع وجبة السحور قد اشتمل على وضع كل اللمسات الضرورية اللازمة لإنطلاق قطارهذه المفاوضات ، وبمعنى آخر فهذا يعني أن هذه السلطة وعبر زعيمها عباس قد رضخت في هذا اللقاء لكامل الضغوط والشروط الأمريكية والصهيونية وقدمت موافقتها التامة على هذه العودة العارية لمائدة المفاوضات التي لا يوجد على سطحها سوى ملفات الذل والعار .
انتهى اللقاء الرمضاني الثنائي بين كيري وعباس مع إتفاق على أن تبقى تفاصيله ونتائجه طي الكتمان ، ومن يمتلك ذرة من العقل لا بد أن يضحك طويلا من هذا الحديث عن السرية والكتمان ، فالسيد كيري ، الذي ينوب عن الولايات المتحدة جاهز للبيع والشراء ما دام ملتزماً بالمصالح الصهيونية الإستراتيجية التي لا يستطيع الإقتراب منها أو المساس بها ، والسيد عباس ، الذي ينوب عن السلطة جاهزومستعد هو الآخر لكي يبصم على بياض مقابل أقل الفتات الذي يمكن أن يرمى له على مائدة التفاوض ،ومع هذا الوضوح نستنتج أن الطرفين ليسا في حاجة أبدا لهذا التكتم وهذه السرية .
ولكن حركة "حماس " كان لها رأي آخر ، فقد خرجت الحركة على الملأ وعبر بيان طويل وعريض أكدت من خلاله على أنها قد " كشفت " عن الخفايا الخطيرة في " لقاء عباس – كيري " التي لم يتم الإعلان عنها ، وأنها بذلك تكون قد أزاحت الستار وأماطت اللثام عن مجمل التنازلات الجديدة التي أقدمت السلطة على تقديمها وبالمجان للسيد كيري ، ومن هنا تنبع خطورة جولة المفاوضات الجديدة التي دارت عجلتها في العاصمة الأمريكية مع نهاية شهر تموز الفائت والتي تتواصل هذه الأيام بين الطرفين الصهيوني والفلسطيني في القدس المحتلة .
وإذا ما سلمنا بذلك ، فالخفايا المذلة التي وافق عليها الرئيس عباس لا بد أن يكون لها خبايا ، وهذا لا يتحقق حتى يكون لهذه الخفايا التي كشف عنها بيان حماس زواريب وأزقة توصل إليها ، والزواريب والأزقة لا يمكن أن تتواجد من الفراغ والعدم ، وعليه فلتسمح لنا حركة حماس ومعها باقي فصائل العمل الوطني الفلسطيني بأن نحملهم كامل المسؤولية عن وجود هذه الزواريب والأزقة التي أدمنت هذه السلطة وأجهزتها ومن خلالها على عملية ممارسة العبث والتمادي والتطاول اللاوطني على كل سقوف صراعنا الدائر مع عدونا الصهيوني .
نعم ، فحماس ، وباقي الفصائل التي أدمنت على مواقف وبيانات الشجب ، والتنديد ، والرفض الخالية تماما من الفعل المؤثر والرادع هي المسؤولة عن خفايا " لقاء كيري – عباس " وخباياه ، وهذا ما يجب أن نكشف عنه نحن لنقدمه إلى جماهير شعبنا المغيب عمداً وقصداً عن كل هذه المتاجرة الرخيصة التي يقوم بها هذا النفر المتسلق على أكتاف القضية وعلى دماء شهداءها وعذابات شعبها ، هذا ما يجب أن نعترف به أولاً إذا كنا على قدر المسؤولية الوطنية ، وإذا كنا جادين في ضرورة إغلاق نهايات هذه الزواريب والأزقة العفنة برصاص الفعل الوطني المقاوم ثانياً .
لقد التقى كيري وعباس ، وقتلوا القتيل ، وها هم يتباهون في السير على أتوستراد جنازته استعدادا لدفنه ، فهل تكفي هذه الخبطة الصحفية التي أرادت حماس تقديمها للرد على سياسات ومواقف وأفعال هذه السلطة التي فقدت ضميرها وغيرتها الوطنية على القضية وشعبها ؟ إن الفعل الإنهزامي والخياني والتفريطي الذي قد يقدم البعض على تقديمه ، بحاجة إلى فعل مقاوم له ترجمات وإنعكاسات على درب النضال الطويل ، وبعكس ذلك فإن فقاعة الصابون التي تشكلت بفعل لقاء " كيري وعباس " للأسف الشديد لم يقابلها سوى بيان حملته الرياح بعيداً ، وتنديدات وإستنكارات خجولة لا تقدم ولا تؤخر، وهذا ما يؤلم فلسطين وشبعها الصابر على أبشع جريمة عرفها التاريخ !.