25-08-2013 07:50 PM
بقلم : فيصل تايه
أعترفُ بأني خدعت تجاه بعض من ناديت بهم مصدراً لقوتي .. بدت أفكاري مضطربةً ومشوشةً حدّ الغموض .. وكأني ارتضيت الخنوع والهزيمة كي أعود إلى ذاتي خائبا منكسراً .. لست وحدي فمعي من عشق هواء هذا الوطن وأصبح مثلي يعشق ذات الهزيمة كي يبادر بالاستسلام .
تأملنا انكسارات الوطن على يد أشخاص هتفنا لهم وناصرناهم وبايعناهم وأوليناهم فخذلونا .. منهم الذي تمنينا أن يكون أكبر من مجرد مروّج للأوهام .. وأكبر من مجرد فارس منشغل بالهروب إلى الأمام حَذراً للطعنات .. كنا نتوقع أن يمنع الظلم عن الشرفاء . فوجدناه أول الظالمين .. هؤلاء الأشاوس المكلومة حقوقهم مثل كل البسطاء لا يطمعون في أكثر من فرحة يجددون بها رغبتهم في خدمة وطنهم بعزيمة الأبطال .. ولا يحلمون بأكثر من لحظات كبرياء.. كانوا يبحثون عن حقهم في الوجود بين أكوام القش .. تصدوا لتناسل الشائعات بعد أن قلبوها آيات بينات تتلى في سِفره المزعوم لحين اختفائه عقب المشهد الأخير.. لتمنح الفرصة لأسياد الوقت كي يمعنوا في السخرية منه ومنا.
لا أدري .. هل هو الذي تغيرَ ومللَ ونقض وعوده فينا .. أم هي اللعبة الماكرة الغادرة الشقية .. أم نحن الذين تغيرنا ومللنا المكوث على مدرجات انتظار يشبه العبث ؟ لقد كنا ذاتَ زمان تقفُ على أبواب الأحلام نحرسُها من هجوم الكوابيس.. فصورناه أسدا حقيقيا طالعا من زمرة عليّة القوم .. له هيبة الأسود المبهجة التي تمنح المستضعفين كثيرا من الثقة .. وتزرع في البائسين كثيرا من الفرح ..
.. فرحنا بقدومه وهللنا لمجيئه ليعيد الينا بعضا من كبريائنا .. ليمنح لنا الرغبة في الاعتداد بالانتماء إلى هذا الوطن . ومن نشوة الانتصار في هذا الزمن .. لم نكن ننتبه إلى اين كان يسير بنا ، ولا اهتممنا بما كان يقترفه في حقنا باعة الوعود والأحزان .. كنّا مشغولين بالتفاخر بما كنا نصنعه من تمجيد وترفيع وترقيع لشانه وسموه وقدره .. لنوقن بعد رحيله أننا كنا في نفس المواقع نراوح مكاننا.. ولم نكن سوى ظاهرة عابرة مارقة .. فبقينا كما نحن نفرح ونرقص في مواقع العطاء الحقيقي .. فهي الأماكن الوحيدة التي فيها نعطي ونبدع ونملك سيادة أنفسنا ونغضب ونثور فلا نخاف.
نجحتَ يا فارسنا في أن تُخرجنا لنمجدك ، في اللحظات التي تئن فيها بيارق الأمل المنسي خلف الجدران ، لينهش اليأس عقولنا المهزومة .. ليختلط المكر والدهاء فيها بالرأي والكلمة الطيبة ... بقينا نلهث خلف فقاعات مملوءة بالهواء بمنتهى السذاجة نطارد أفراحاً مؤقتةً تاركين خلفنا أحلاما حزينة يعيث فيها الألم فساداً.. ومؤجِّلين وعودك إلى حين .. فما بدوتَ لنا جميعا في كثير من المحطات إلا أنك المنقذ الذي يحمل بين كفيه الخلاص .. غير أن عجزك أعاد الشك في قدرتك على تحقيق آمالنا فيك .
قل ما شئتَ وعش كما شئتَ سيدي .. فما عاد فينا بقيةٌ من السذاجة.. لأن ما تركتنا به ضيّقَ ما اتسع فينا سابقا من هوامش الأمل فيك .. ولم تكن أنتَ كما تخيلناك.. فرحلت ولم تترك فينا حلاوة للروح .. لتتركنا منكفياً دون وداع فانشقت مرايانا وتقوقعت أفكارنا .. وادلهمت علينا الخبائث من كل حدب وصوب في زمن الانكسارات الرهيبة .. لقد خذلت من أحبوك و توجوك فارسا لأحلامهم الضائعة في زحمة المكان .. فأصبح لون وعودك لوناً للخجل وللغروب المنذر بالظلام .. اشرنا لك بحنكة قواعد اللعبة .. بذكاء يفوق ذكاءهم .. دون أن تنتظر هدايا آخر دقيقة .. كي يرفع الوطنُ هامته دون أن يستحيي .. ولكنا تيقنا إنّ من نتابعه عاجزا عن حماية طائرٍ في قفص ، فكيف يمكن أن نصدق أنه قادر على ترويض أسودٍ في مجاهل غاباتنا الموحشة ؟
ودمتم سالمين
مع تحياتي
فيصل تايه