27-08-2013 10:55 PM
بقلم : د. منتصر بركات الزعبي
إنَّ الأمّةَ العربيّةَ اليومَ ،تمرُّ بمصاعِبَ عظيمةٍ ،وفتنٍ متلاحقةٍ ،ومحنٍ متلاطمةٍ ،وابتلاءاتٍ متتاليةٍ ،ومِن هذهِ الابتلاءاتِ : ما جَرى ويَجرِي علَى أرضِ مصرَ وسوريا ،فالطغاةُ والمجرمون يسفكونَ الدماءَ ،ويَمزِّقونَ الأشلاءَ ،ويقتلونَ النساءَ والأطفالَ ،لا بلْ ويَحرقون الجُثثَ والمساجدَ.
أشعرُ بالخجلِ ،ويشاركُنِي هذا الشعورِ كلٌ مَنْ في قلبهِ ذرة مِن إنسانيَّةٍ ،لِما رآه مَنْ وحشيَّةٍِ وإجرامٍ ،قامَ بها حُماةُ الدِّيارِ مِن جيشٍ وشرطةٍ بحقِّ الأهلِ على أرضِ الكِنَانةِ مِصرَ وعلَى أرضِ الشامِ ؛ثمّ يتجاهلُ ذلكَ ،فمنَ الواجبِ عليْنا كَكتّابٍ ،أنْ نكونَ على مستوى أحداثِ أمّتِنا الجريحةِ ،واجبُنا أنْ نُخرِجَ أمّتنا مِن هذهِ الذيليّةِ المُهِينةِ ،والتبعيّةِ الذليلةِ ،إلى الريادةِ التِي ما خلقَ اللهُ الأمَّةَ إلا مِن أجلِها .
فالواقعُ أنَّ نهرَ الدّمِ الذي يسيلُ في ربوعِ الوطنِ العربِيِّ مِن أقصاهُ إلى أقصاهُ ،قدْ أصبحَ واقعًا معتادًا ،يحملُ بينَ ثناياهُ التعاسةَ والحسرةَ والألمَ ،وقدْ لا يثيرُ في نفوسِ البعضِ إلا مُجرّد الاشمئزازِ والتحسُّرِ فقطْ ،إذْ أنَّ المأساةَ قدْ حفِلتْ بألوانِ الظلمِ والوحشيَّةِ والبربريَّةِ ،إنّها الجريمةُ الكُبرى التِي لمْ يشهدْ االتاريخُ البشرِيّ لها مثيلاً أبدًا في وحشيّتها ،وقذارتِها وانهيارِ كلِّ معانِي الإنسانيّة .
لقدْ كانتْ حادثةُ الهجومِ على المعتصِمين السلميّين في ميادين رابعةَ والنهضةَ ورمسيسَ ،ومساجدَ النورِ والإيمانِ والفتحِ وأماكنَ أخرى في مصرَ ،وما يجري على أرضِ الشآمِ وآخرُها المجزرةُ الرهيبةُ في غوطةِ دمشقَ ،والأرواح التي أُزهِقتْ والدماءُ التِي سالتْ ،توقظُ القلوبَ الميِّتةَ ،وتحِيّ النفوسَ الصَدِئَةِ في مستنقعِ الذلِّ ولكن:
لَمَن نَشكُوا مَآسِينا ؟
ومَنْ يُصغِي لِشكوَانا ويُجْدِينا ؟
أنشكُو مَوتَنا ذلاًً لِوَالِينا ؟
وهلْ مِوتٌ سَيحُيينا ؟!
قطيعٌ نحنُ ... والجزارُ راعِينا
ومَنفِيون ... نمشي في أراضينا
ونحملُ نعْشنا قسرًا ... بأيدِينا
ونُعرِبُ عنْ تعازِينا ... لَنا .. فِينا!!!
فوالِينا ..
ــ أدامَ اللهُ والِينا ــ
رآنا أمةً وسطًًا
فمَا أبقى لنَا دُنيا ... ولا أبقَى لنا دِينا !!
ولاةََ الأمرِ ... ما خُنْتم .. ولا هِنْتمْ
ولا أبدَيْتم اللينِا
جزاكُم ربُنا خيرًا
كَفَيْتم أرْضَنا بَلوَى أعادِينا
وحَقَّقتُمْ أمانِينا
ولاةَ الأمر هذا النصرُ يِكفِيكُم وَيكْفِينا
تهانينا
لقد فضحتْ انتفاضة الشعوب العربية سنة 2011 ،وعرَّت الجيوشُ العربيةُ ،كونُها بُنِيتْ على أساسٍ يهدفُ إلى حِمايةِ أنظمةِ الاستبدادِ القائمةِ ، بلْ حمايةِ الدكتاتورِ الحاكمِ ومَنْ معهُ مِنْ الزُمرَةِ الفاسدةِ ،فالأنظمةُ الاستبداديةُ التِي أتتْ على ظهرِ الدبّابةِ ،لا يمكنُ بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ ،أنْ تقيمَ جيوشًا وطنيةً ،همُّها الوحيدُ الدفاعُ عنْ الأوطانِ مِن شرِّ الاعداءِ ،لقدْ أظهَرَتْ تلكَ الجيوشُ انغِماسَها بالسِّياسَةِ ولاءَها المطلقُ لنظمِ الحُكمِ الاستبداديَّةِ ،ولم تتوانَ عنْ قتلِ شعوبِها أصحابِ الصدورِ العاريَةِ ،في سبيلِ حمايةِ الطغاةِ المستبدين ،تستأسدُ على مواطنِيها تُقصَفُ بالطائراتِ والمدافعِ والدباباتِ والصواريخِ والرصاصِ الحيِّ وبالأسلحةِ الكيماويّةِ في المقابلِ لمْ تُطلًقْ رصاصةٌ واحدةٌ في اتجاهِ الكيانِ الصهيونِيّ الغاصبِ طيلةَ عقودٍ.
الشعوبُ العربيةُ المخدوعةُ ،أصبحتْ في العراءِ ،فهِي لا تملكُ جيوشًا تدافعُ عنها ،فالجيوشُ التِي كانَ مِن المفروضِ أنْ تُصوِّبَ اسلحَتِها باتجاهِ اسرائيلِ لِتحارِبَها ،اضحتْ الشعوبُ هي اسرائيلُ ،ولربّما بوجهٍ اقبحَ وأشنعَ ،فصوّبتْ الأسلحةَ إليْها ،فقتلتْ مِنهمْ أكثرَ ممَّا قتلتْ مِن اسرائيلَ بأضعافَ مضاعفةٍ ،وهذا ما أكّدته وتؤكدُهُ تصرفاتُ هذهِ الجيوشِ معَ شُعوبِها.
فالسلاحُ الذي اشتُرِي مِن قوتِ الشعوبِ وعُصارةِ أرزاقِهم ليواجهوا به اسرائيلَ العدوَّ الرابضَ في أرضِنا ؛لمْ يُوجَّهْ إلى صدرِ اسرائيلَ ولا رأسِها ولا قدميْها ولا مسَّ ظُفرًا مِن أظافرِها ،وإنَّما وجَّه هذا السلاح لقتلِ الأهلِ والأشقّاءِ العربِ في اليمنِ ولبنانَ ،وظهرتْ البطولاتُ العربيَّة في قصفِ القرى العربيّة الوادعةِ بالطيرانِ العربيِّ الباسلِ.
هذه الجيوشُ لمْ تقفْ أمامَ اليهودِ أيامًا ،ووقفتْ في اليمنِ ولبنانَ أعوامًا ،جلبتْ للعربِ ذلاً وانكسارًا ومنحتْ اليهودَ عِزًّا وانتصارًا ،لقدْ سلَّمتْ اسرائيلَ الأرضَ ومَا عليْها ،فأمَّنَنتْ على نفسِها وأرضِها المغتصبةِ وازدادتْ قوة على قوةٍ ؛وأصبحَ واجبًا على الشعبِ المَصرِي والسورِيّ لا بلْ وكلِّ عربِيّ أنْ يُغرَّمَ ثمنَ الخيانةِ التِي ألمَّتْ بهِ .
Montaser1956@hotmail.com