31-08-2013 11:20 AM
بقلم : ربحي شعث
طبول الحرب تُقرع, وصوتها يعلو , وليست هذه المرة كأخواتها كما يبدوا.. إنها الضربة العسكرية الغربية ضد النظام الفاشي المستبد في سورية كما تتحدث الأخبار والتسريبات والتحليلات. وقد يتساءل البعض لماذا علا صوت الحرب الآن؟ وقد يكون جوابنا يحتمل الخطأ بأن نظام الأسد أوصل المجتمع الدولي الذي كان مستمتعاً بمشاهد الحرب في سورية وتدمير بنيتها التحتية لأكثر من سنتين إلى النقطة الحرجة التي تمس ماينادي به الغرب ويجاهر به الأمم من احترام حقوق الإنسان والالتزام بالقوانين الدولية فأراد أن يحمي بذلك ماتبقى من سمعته الهشة بسبب مواقفه وتردده (أي المجتمع الدولي) فكان لزاماً عليه التوعد بالتدخل العسكري. وإذا أعدنا طرح السؤال لماذا أوصل هذا النظام المجتمع الدولي إلى هذه النقطة الحرجة فهناك كثيراً من التحليلات والتكهنات التي تحتمل الصواب والخطأ .
هذا النظام دموي بطبيعته ولم يتمرس على معالجة أخطاءه إلّا بكوارث دمويه كمثلة من الأنظمة المستبدة والفاسدة وعندما تشعر تلك الأنظمة بالغرق لاتجد حلّاً إلا الغوص بالقتل والتنكيل والتدمير كمخرج من أزماتها, وتاريخ النظام في سورية بُني على القتل والإرهاب والتخويف والتعذيب كوسيلة لفرض الولاء والمحبة, لذلك أتعجب من البعض عندما يتساءل بمصلحة النظام في إستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه ويحلل بأن الإتهامات لنظام الأسد مجرد تلفيقات من باب إستبعاد أي مصلحة أو مبرر للأسد للقيام بهكذا عمل, وكأن نظام آل الأسد يحتاج إلى مبرر ذاك الدمار الذي ألحقه في الوطن والدولة والشعب من الأب إلى الإبن! . ولو سلمنا جدلاً أن لامصلحة للنظام بإستخدام الغاز الكيماوي ضد الأطفال والنساء فما مصلحته إذن بإستخدام صواريخ سكود والبراميل المتفجرة وقذائف الدبابات والقنص العشوائي؟؟.
من يتهم الدول الغربية وبالأخص العربية بتمويل المعارضة المسلحة في سورية بالسلاح الكيماوي لإستخدامه في سورية كي تعطي لنفسها الحق في التدخل هو كلام عبثي ومنطق هش وتفكير أشبه بإعلام الحكومات المثيرة للسخرية ونرد عليه جدلاً بسؤال إلى أي جهة في المعارضة قد سلمت الدول الغربية الغاز الكيماوي؟؟ إلى سليم إدريس الحليف والذي تم تحديد مهام قواته لحماية الحدود "الإسرائيلية" ومواجهة المعارضة الإسلامية؟؟ أم إلى المعارضة ذات التوجه الإسلامي التي وضعتها في قائمة الإرهاب وهي هدف أسمى للخلاص منها من الأسد ونظامه لأنها تتوعد بقتال الإحتلال الإسرائيلي؟؟ أم إلى المعارضة العشوائية التي لامركزية لها ولايمكن التواصل معها؟؟.
من لم يتدخل لوقف المجازر والدمار والتشريد طوال سنتين هو في الأصل فاقد لشهية التدخل العسكري في سورية ولا يحتاج لمبرر وتلفيقة كي يقحم نفسه في الشأن السوري, ومن يرفض إستخدام وسائل الضغط الإقتصادية والسياسية والبترول وغيرها كي يوقف تلك المجازر طيلة سنتين لاأجد فيه رغبة سقوط نظام الأسد. وإن منظر مئات الشهداء من الأطفال والنساء الذين شاهدناهم مرصوصين في الغوطة الشرقية ليسوا أكثر بشاعة من مناظر صور الأطفال المكبلة والمنحورة التي سبقت هذه الجريمة.
لذلك فإننا نؤمن أي أي تدخل عسكري غربي بدعم عربي هو ليس لكرامة الأطفال ولا تأثراٌ بمناظر القتل ولا خوفاً على تاريخ الشام العريق وحضارته التي دمرها نظام الأسد لكنها مهمة أًجبر عليها المجتمع الدولي من نظام الأسد للقيام بها كما أسلفنا وبطبيعة الحال سيقوم بواجب الدفاع عن حلفاءه عاجلاً أم آجلاً. تماماً كما هو الحال عند الشعب السوري الحر وأصدقاءه من أحرار وحرائر الشعوب العربية التي أُجبرت على مُباركة أي تدخل خارجي بعد جريمة الغوطة التي قد لاتكون الأخيرة وذلك من باب المقولة الشعبية " ماجبرك على المر غير الأمر منه".
لقد كانت إستراتيجية الأسد في قصفه الشعب بالغاز الكيماوي مؤخراً تتمركز في هدفين رئيسيين :
أولاً: إحراج المجتمع الدولي الذي إلتزم الأقوال لا الأفعال أمام الكم الهائل من سقوط الضحايا بكافة أنواع الأسلحة والتي كانت كيماوية آخرها وإدخال المجتمع الدولي رسمياً في حرب بعد أن أوصله إلى النقطة الحرجة وهذا من شأنه خلق حالة مربكة داخل الدول من تحرك بعض المنظمات والأحزاب المعارضة للحكومات أو للتدخل في الشأن السوري وسينشطها مما يزيد في حالة عدم الإستقرار السياسي بالإضافة إلى إرهاق الوضع الإقتصادي المتردي في أوروبا بسبب تكاليف الحرب وعدم الإستقرار السياسي معاً وبذلك يكون نظام الأسد قد حقق من وجهة نظره ماتوعد الغرب به من عدم إستقرار وعدم تحييدها في حال تدخلت وأنها لن تكون في منأى من دفع الثمن.
ثانياً: إن في تدخل الغرب عسكرياً سيكسب نظام الأسد بعض التعاطف الشعبي عن الضعفاء الموهومون والمكبلون في الفكر القومي والعروبي والبعثي وغيره وينّشط حركتهم في الدول العربية وبذلك فقد يمتلك ورقة تسويق شعارات القومية العربية المتهالكة منذ خمسينات القرن الماضي واللعب فيها وتجييش العواطف بأناشيد قومية ووطنية من زمن "الإنتصارات" وتسجيلات لخطابات وهمية ستكون مهمة لنظام الأسد على المدى البعيد حتى لو تم القبض عليه أو إختبأ في مكان غير معلوم وسيكون في نظر أنصاره وأنصار حكم العساكر ومحبي الإنقلابات وأنظمة الفساد وجمهور فيلم "المقاومة والممانعة" ومسرحية " العروبة والقومية" بطلاً يحارب الغرب وإسرائيل ومقاوماً في زمن الإستسلام وممانعا في زمن طقطقة الرؤوس وغيرها من الكلمات الجيّاشة التي يهواها شعبنا العاطفي.
على أي حال فإن طبيعة الرد والتدخل العسكري فهي حسمت كما يبدوا أما العواقب في أمر الغيب ولقد كررت سابقاً رفضي لأي إجتياح بري غربي على أي أرض عربية مهما كان المبرر ومازلت على الرفض بشدة وضرورة إقتصار التدخل إمّا في دعم كامل للمعترضة المسلحة في الداخل وفرض حظر جوي أو إستهداف مواقع الأسد الفعّالة وشل المطارات الحربية وإغلاق قنوات الدعم اللوجستي والعسكري من الحلفاء. وكما نبهت سابقاً أن هذا التدخل لم يكن إلّا لحفظ ماء الوجه عند المجتمع الدولي وإنقاذ ماتبقى له من شعارات حقوقية يتشدق بها.
هذه الحرب لا رابح لأحد فيها, فنظام الأسد سيضعف وسيفر وينتهي وستبقى شعاراته الكاذبة في مجلدات القومجيين على رفوف مكتباتهم, والإحتلال الإسرائيلي سيضعف بعد خلاص وإنتهاء حكم آل الأسد ودورهم في حراسة أمن وحدود إسرائيل والجولان وستسعى بإستبداله بحكومة تلتزم بحمايتها من المعارضة الإسلامية, وحتى الشعب السوري سيخسر أيضاً في حال تمكنت منه أفكار الإقصاء وروح العداء والتحزّب وتفشت الطائفية في جسمه.
إن على الشعب السوري مهمة أن لايعيد أخطاءاً كالتي حصلت في بلدان الأشقاء وأن يتدارك تلك الأمور بالوحدة وعدم التعصب فالوطن بحاجة إلى سواعد للبناء لا لإعلام متدني محرّض ولا معارضة تُدمِّر ولا لحزب يستقوي ولا لمتطرفين علمانيين أصحاب شهوة ولا متطرفين إسلاميين أصحاب غفوة ولا متطرفيين قوميين أصحاب سُلطة. الشعب يحتاج إلى عقول للتفكير لا للتكفير.
قد تكون النصيحة مبكرة.. فالتكن كذلك, سنعيدها ونكررها.
الأيام القادمة صعبة وحساسة وحاسمة ولا أحد يدري مايحمله الآخر من خيارات ومفاجآت. أعان الله الشعوب عليها