02-09-2013 10:24 AM
بقلم : حذيفه احمد السالم
فالكمّ موجود والنوّع مفقود , فهذا ما لا يرجى ولا يحمد عقباه , فلا فائدة من وجود الأجساد مع فقدٍ للعقول , ولا فائدة من وجود السيارات مع فقدٍ للوقود , فإن العام الدراسي قد بدأ والتحضيرات المدرسية والجامعية من أساتذة ومباني ومواد أساسية أخرى متوفرة لطالب العلم والحمد لله , ولكن الذي تفتقرإليه بلداننا العربية العلم الحقيقي لا الشكلي , وأقصد بكلامي أن خريجي المدارس والجامعات وحملة الشهادات العليا بإعداد هائلة جداً ولكن للأسف كان التركيز على الكّم لا النوع هذا من جانب , ومن جانب آخر فإن النوع المتميز عادةً يذهب سدى , فإمّا أن يهمّش ولا ينظر إليه أو يلقى به في مكبات التاريخ , أويذهب لبلدان أخرى حيث الرعاية والعناية , مما ينعكس إيجابا عليها وسلبا على بلداننا العربية , فكثير من العلماء وذوي الكفاءات منّا يعملون في دول الغرب والشرق لما وجدوا من اهتمام كبير .
فمن الضروري الرجوع للمربع الهام والمتمثل بتجسيد النوعية في علومنا وعلمائنا وتحقيق هذا المقصد بالسرعة القصوى حتى نلحق بالركب , فأعجبتني خطوة جريئة لإحدى الجامعات الأردنية بتخفيض أعداد الطلاب بهدف الوصول للنوع العلمي لا الكمّي الربحي . فأتسآئل لماذا نفتقر للصناعات التكنولوجية الكبرى وحتى الصغرى ؟ ولماذا لا يهتم ببراعات الإختراع بشكل جدّي ؟ ولماذا لايوجد مخصصات للإختبارات العلمية بالمستويات العالية ؟ بدلاً من التركيز على الملاهي والحدائق والرياضات والمشاريع الغير مجدية والتي يضخ عليها المليارات , فالذي أراه أن يدّرب طلابنا ومنذ الصغر على الصناعات الخفيفة ثم الثقيلة مزامنةً مع المراحل التعليمية أو بعدها على الأقل كحال كثير من الدول المتقدمة .
فحقيقةً هناك أمور لا بد أن تتحقق أولاً حتى نبدأ من الصّفر , فما دام أن الطالب لا يوقّر معلّمه بل ويعتدي عليه فلن تتحقق , وما دام أن الطالب لا يحترم الوقت فيأتي متاخرا للتعلّم ويغادر مبكّرا وبلا كتبٍ ولا قلمٍ فلن تتحقق , وما دام أن الطالب في نهاية الفصل أو العام الدراسي يلقي بكتبة في الحاويات وتمزّ ق فلن تتحقق .فنحتاج في الواقع لقواعد التعلّم ألا وهي التربية , ولا ينفعنا تجاوز هذه القواعد لأن العلم يكمّله الأخلاق , والعمل يكرّسه الارادة والجدّ .
فمعضلة الإنحلال الأخلاقي في مدارسنا وجامعاتنا أمرٌ مقصود حتى تصبح العقول عقيمة و الأجساد عديمة , فعلينا أن نفوّت الفرصة أمام من يتربّص بنا وبأبنائنا وبعلومنا ـ ليلقى بنا إلى مزابل التاريخ أو أحضان عدونا ـ وكلاهما مُرّ بل علينا أن نردّ كيده في نحرة , فأصول ومنابع العلوم التي بدأت من عند المسلمين , كأمثال الرازي والخوارزمي وابن حيّان وابن النفيس وغيرهم منذ زمن بعيد ـ عند كمال أخلاقهم ـ حيث قدّموا للعالم الكثير والكثير ولكن في زمنٍ يُحترم فيه العالِم عند الصغير والكبير وعند السلطان والحاكم .