07-09-2013 10:16 AM
بقلم : د. زيد سعد ابو جسار
الحديث عن فضائل الأم يعني الحديث عن المعاناة في حملها وألمها عند الولادة رغم كرهها,ويعني الحديث عن سنين الطفولة ورعايتها وتربيتها والصبر على مرها , لهذا فان الحديث عن الأم لا يكون إلا من خلال الشعور بكل فضائل الأم من حمل وتربية وتضحية , وهذا الشعور هو الذي يثير العواطف والحنان ليصبح الشعور شعور متبادل بين الأم وفلذة كبدها , شعور نابع من قلب عامر في تواصله مع رحمة الله تعالى...
الحديث عن الأم يعني الحديث عن الرحمة التي تترجم أسباب صبرها وسهرها وخوفها نحو فلذة كبدها ,وهذه تترجم أسباب نجاحها في التربية, فإحسان الوالد على المولود هو هبة من الله تعالى لكل خلقه من الإنسان إلى عالم الحيوان ,وإحسان المولود للوالد ناتج عن الإحسان إليهم بتربيتهم على ما انعم الله تعالى على الأسرة منذ بداية نشأتها بالمودة والرحمة والتي تمتد عند الأبناء أيضا إلى ما قبل سن البلوغ (كل مولود يولد على الفطرة ). واستمرار منهج التربية على المودة والرحمة لما بعد سن البلوغ .وهذه تبقي القلوب قريبة من بعضها البعض وتشعر مع بعضها البعض ,وهذه من معجزات فضل رحمة الله تعالى الظاهرة في حياة الأسرة ,إن بقي الأزواج على فطرة المودة والرحمة التي تربوا عليها وأورثوها للأبناء ..
لهذا فان من يرددون مقولة قلبي على ولدي وقلب ولدي على حجر, لم يدركوا أن الرحمة التي أودعها الله تعالى في قلوبهم هي سبب حبهم لأبنائهم و لم يدركوا أنهم اخطؤا عندما لم يحافظوا على سلامة فطرة الأبناء من خلال تربيتهم على المودة والرحمة ...
الإحسان للام لا يمكن إدراكه مهما حاول الابن ذلك ,وان حملها وطاف بها وبر المقربين إليها في حياتها وبعد مماتها سيبقى عاجزا عن إدراك مكافئتها على رحمتها التي فضلت أبنائها على نفسها (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) .
لهذا فان تقدير الأم أعظم من أن يخصص لها يوم في كل عام ليترجم كل المعاني النبيلة والثمينة بهدية مادية لا قيمة لها مهما بلغ ثمنها , تقدير الأم هو شعورها بنبض الدعاء لها الذي يستطيع قلبها أن يترجم معانيه من خلال التواصل بين اللين للرحمة من طرف الأم والتواضع والذل للرحمة من طرف الأبناء فيوصل الله تعالى من وصلها ويقطع من قطعها ...
فالإنسان في تراحمه حتى مع الآخرين يكون قريب من رحمة الله وهذا الشعور هو من المعجزات التي يشعر الإنسان بلين وعطف قلبه وتواضعه للحق و للإيمان ,وبالرحمة والعطف واللين تحضر القلوب التي يستجاب لدعائها ودعوتها . لهذا أمر الله تعالى بلين الخطاب والرحمة في الدعوة إليه,لان القلوب تخاطب القلوب . . قال تعالى(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )..
فقصة إسلام سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه رغم قساوة قلبه إلى انه عندما شاهد الدماء تخرج من وجه أخته نتيجة ضربها من قبله لان قلبه عطفا عليها فدخل في رحمة الله الواسعة ونعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعي لأحد العمرين الدخول في الإسلام فكانت الاستجابة من خلال هذا الموقف موقف التراحم الذي يلين القلوب ..
إن الأم هي مدرسة للتربية كونها تملك المودة والرحمة .وهذه الحقيقة يمكن ملاحظتها من الواقع عند الأسر التي تكون الأم هي من تقوم على تربية الأبناء,والجنة تحت أقدام الأمهات ,فالفوز بالجنة كان نتيجة تربينه على حسن الخلق.
ربي اغفر لي ولوالديا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .