09-09-2013 05:19 PM
بقلم : د. محمد خلف الرقاد
تتنافس في الوقت الحالي كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ــ ومن خلالها سوريا ــ في إطلاق حملات إعلامية محمومة ربما تقود إلى ثنائية قطبية جديدة تعود بالعالم إلى زمن الحرب الباردة التي ساد اعتقاد بأنها انتهت منذ تفكك الاتحاد السوفييتي في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم .
ومما يلفت النظر عبر شاشات التلفزة وأثير الإذاعات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي هذا السباق المحموم عبر عقد المؤتمرات الإعلامية ما بين الجهود الأمريكية لحشد الدعم والتأييد لمعاقبة النظام السوري ، وما بين الجهود الروسية السورية للدفاع عن موقف النظام السوري في محاولات لفت عضد الجهد الأمريكي الرامي إلى تسديد ضربة توجع أو ربما تشل النظام السياسي في دمشق أو ربما تنهيه ، أو ربما في أقل الأحوال تجبره على الانصياع للذهاب إلى جنيف 2 تمهيداً للوصول إلى تسوية سلمية تنهي الأزمة برمتها .
هذا الأفق الإعلامي المحموم والمنكب على جمع وتقديم الأدلة وطرحها أمام الرأي العام العالمي ، حيث يقوم كل طرف بتزيين حجته ودعم وجهة نظره لكسب التأييد العالمي للوقوف إلى جانبه .... وهنا يتبادر للذهن أسئلة عديدة لابد من التوقف عندها ... وتحليل الإجابات المتوقعة عليها من مختلف الأطراف ، ومن أهمها : هل الموقف الأمريكي من الأزمة السورية ومن استخدام السلاح الكيماوي يندرج في إطار نظرية " حمّر عيونك وارخ يديك " كي يرتدع النظام السوري عن الاستمرار في استخدام السلاح الكيماوي ، والكف عن كل مايجري في الداخل السوري وإنهاء الأزمة بشكل عام ؟ ..... أم هو موقف يشتمل في جوهره على دفاعٍ عن الإنسانية والديمقراطية وإحقاق حقوق الإنسان ؟ ــ "مع حزننا العميق على كل الأبرياء الذين سقطوا نتيجة استخدام السلاح الكيماوي في سوريا " ــ ، فإذا صحّت هذه المقولات ، فربما تخرج مقولات أخرى مضادة مفادها : إن الأمر كله يصب في بوتقة المحافظة على مكانة الولايات المتحدة في العام بعامة وفي الشرق الأوسط بخاصة مع ضرورة توفير الحماية للأمن الإسرائيلي الذي التزمت به كل العهود الأمريكية المتواترة ، وتحتاج الإجابة على هذه الأسئلة إلى مزيد من التعمق والتحليل للخروج باستنتاجات ربما تلقي مزيداً من الضوء على الحقائق والوقائع غير المستكشفة .
من جانب آخر....هل الموقف الروسي هو من باب نظرية "دفع الظلم والاتهامات " عن النظام السياسي في دمشق الحليف المقرب إلى روسيا ، فالتوجه الروسي المعلن هو دفع الظلم المزعوم عن النظام القائم في دمشق ، مع التركيز على أهمية تفادي توجيه ضربة عسكرية أمريكية لسوريا ، ومن الواضح أن في الأمر إظهار معلن لدور روسي أكثر سلمية وديمقراطية في تفادي نشوب الحروب ، وحل الأزمات بالطرق السلمية والحوار وجذب أطراف النزاع إلى موائد الحوار والمفاوضات ...... فإذا صحّت هذه المقولات ، فإن هناك مقولات ستظهر علينا لتقول : إن روسيا التي فقدت ـــ إلى حد كبير ـــ مكانها في ثنائية القطبية ــ كندٍ سياسي وعسكري للولايات المتحدة ــ فيما يخص تصدر السياسات العالمية ، فإنها تطل على العالم في ظل هذه الظروف لتبحث عن مكان لها تحت الشمس يكون أكثر فاعلية في ظل أحادية القطبية حيث تهيمن على العالم فيها السياسات الأمريكية الحالية .
ويبرز السؤال الأكثر أهمية الآن وهو : هل ستقود الحملات الإعلامية المتنامية والمتسارعة التي تصدرت نشرات الأخبار عبر وسائل الاتصال الجماهيري المسموعة والمرئية والمقرؤة هذا الأسبوع من خلال الجولات والمؤتمرات الإعلامية التي قام بها وعقدها كل من "جون كيري" وزير الخارجية الأمريكي في أوروبا وفي المنطقة العربية وربما تمتد لغيرها ، و "لافيروف " وزير الخارجية الروسي ومن خلاله نظيره السوري " المعلم " في موسكو .... هل ستقود إلى استقطاب عالمي يؤدي إلى إحياء عهود الحرب الباردة من جديد ... وربما يحمل المنطقة وربما معها العالم إلى أبعد مما هو عقاب مراد للجانب السوري على استخدامه للسلاح الكيماوي ... وإلى أبعد مما هو دفاع عن النظام السوري .
ومن المعتقد أن الموقفين يحملان في طياتهما كلامَ حق يراد به باطل ؛ فلا الولايات المتحدة حريصة كل الحرص على التحول الديمقراطي في سوريا ، ولا هي حزينة إلى ــ حدٍ كبير ــ على عشرات الألاف الذين أزهقت أرواحهم من الشعب السوري ..... وفي المقابل ... فلا روسيا حانية على النظام النظام السوري ولا هي حريصة عليه إلى الحد الذي اصبح فيه مسؤولوها أكثر " سوريّة من السوريين " ، وهنا لايمكن أن ندافع عن كل من أوقع الظلم على شعبه بشتى الأساليب ، مثلما لا يمكن الدفاع عن كل من يقوم بإعمال وحشية ضد الإنسانية ، ولكن يمكن القول بأن ضربة توجه إلى سوريا ــ محدودة كانت أم موسعة ــ لا بد وأن تترك آثاراً كارثيّة ومدمرة ليس على الشعب السوري فحسب ، وانما ستطال آثارها الموجعة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً دول الجوار بلا استثناء وقد تمتد إلى أبعد من ذلك لتشمل الإقليم بأسره ، ولكن الخاسر الأوحد هو الشعب السوري .
إن حالة الاستقطاب هذه التي تمضي بوتيرة متسارعة ستكرس الجذب باتجاهين متضادين رأساهما الولايات المتحدة وروسيا ، فالرئيس الأمريكي كما يعرف الجميع عقد العزم على توجيه الضربة ، والرئيس الروسي مستمر في تكثيف جهوده للدفاع عن النظام السوري ــ مع أن الوقائع الاستراتيجية الروسية تنبي عن أن روسيا لن تقاتل نيابة عن أحد ــ فكلا الطرفين ــ حتى اللحظة ـــ مازالا يحشدان كل لموقفه من خلال استراتيجية إعلامية وظِفت لها كل الإمكانات وتنفذ عبر دوائر كل منهما المختصة عبر وسائل الاتصال الجماهير ومواقع التواصل الاجتماعي , وسواء كانت هذه الحملات الاعلامية موجهة للحشد لكسب التأييد العالمي لتوجيه الضربة العسكرية إلى سوريا أو موجهة من خلال التصريحات الروسية والسورية لفت عضد الجهود الدولية و " فرملتها " للتوقف عن دعم التوجه الامريكي لتنفيذ الضربة ، فإن لكلٍ من هذه الحملات سلبيات إلى جانب الايجابيات المتوقعة لكل طرف ، فالتصريحات الروسية المتوالية في دعم النظام السياسي في دمشق قد تدفع أعضاء الكونغرس الأمريكي للتصويت لصالح توجيه الضربة رغم معارضة البعض منهم لها ، وذلك حتى لا تسقط الهيبة الأمريكية من عيون العالم في ظل إطلالة جديدة للحرب الباردة وبحثٍ روسي عن مكان تعود فيه ثنائية القطبية إلى الساحات السياسية العالمية ، والتصريحات الروسية السورية التي تظهر النظام السوري بالمظلوم ربما تدفع ببعض المتحمسين الأوروبيين للضربة غلى التوقف للتدقيق وإعادة الحسابات.
ومهما تنطوي عليه السنياريوهات ودهاليز السياسات فإن الأولوية على سلم اهتماماتنا هو موقف الأردن المتوخى بتجنيب البلاد تأثيرات وانعكاسات هذه الأزمة ، والأخذ بعين الاعتبار مصالح الوطن العليا ، فربما يصبح الوضع أكبر من دول المنطقة بأكملها .
* باحث في العلوم السياسية