11-09-2013 10:24 AM
بقلم : د. مراد الكلالدة
يقع مطار الملكة علياء الدولي إلى الجنوب من مدينة عمّان على مسافة (35) كلم وتبلغ مساحة الأراضي المخصصة، حوالي (22) ألف دونم، ويرجع بناء المطار الى العام 1982 وقد سمي بهذا الإسم نسبة للملكة علياء الحسين، والتي توفيت في حادث مأساوي عائدة من مدينة الطفيلة في العام 1978.
لقد بحثت الحكومة الأردنية عن موارد مالية لتحديث المطار الذي بدأ يشيخ، وقد توصلت إلى فكرة إشراك القطاع الخاص في البناء والتشغيل ونقل الملكية Build, Operate & Transfer (BOT) فوقّعت في العام 2007 إتفاقية مع مجموعة المطار الدولي لمدة (25) عام، وهي إتلاف يضم شركة أبو ظبي للإستثمار بنسبة (38%) وشركة نور للإستثمار المالي (الكويت) بنسبة (24%) كذلك مجموعة إدجو (الأردن) وشركة J&P Overseas قبرص واليونان، وشركة إدارة مطارات باريس (فرنسا) بنسبة (9.5%) لكل منها.
أراضي المطار ومنشآته مملوكة بالكامل للحكومة الأردنية، وهو مرفق عام وفقاً لفهمنا لنص المادة (117) من الدستور. ويتكون المطار من مدرجين متوازيين طول كل منها (3660) متر، وبعرض (61) متر، بالإضافة إلى مباني المسافرين عدد (2) جرى الربط بينهما، وتخصيص المستوى الأرضي للقادمين، بينما خُصص العلوي للمغادرين. وقد إستثمرت المجموعة مبالغ مالية كبيرة في أعمال التطوير، بمبنى جديد مميز من تصميم المعماري العالمي نورمن فوستر حتى يستوعب المطار (9) ملايين مسافر سنوياً حال جهوزيته.
هذه الشراكة جديدة نوعاً ما على الدولة الأردنية، التي قامت منذ تأسيس الدولة بإدارة المرافق العامة من مواني ومطارات بكوادر حكومية. وعلى الرغم من الكثير من اللغط الذي أثير حول إتفاقية المطار، إلا أننا نشعر بأن الحكومة قد حصلت على صفقة عادلة ستحتفظ فيها بملكية المطار وتتلقى ما نسبته (54.47%) من إجمالي الإيرادات طيلة مدة العقد. ويبدو للمتابعين بأن مجموعة المطار بدأت بالبحث عن مصادر إضافية للدخل غير التقليدية كتلك المستوفاة من شركات الطيران وتأجير المساحات في المباني والساحات، وهذه بادرة جيدة ستعمل على تفعيل دور المطار كمنطقة تنموية. فقد وقعت شركة المناطق الحرة وشركة المطارات الأردنية مؤخراً إتفاقية لاستئجار قطعة أرض مساحتها (300) دونم في المطار ضمن الأراضي الواقعة تحت إدارتها، بحيث سيتم إقامة منطقة حرة متعددة الأغراض (صناعية وتجارية وخدمية) بما يلبي احتياجات المستثمرين في هذه القطاعات.
وفي الحقيقة بأن هذه الفكرة قديمة تعود للعام 1995 حيث إستأجرت مؤسسة المدن الصناعية آنذاك من إدارة المطار أرض بمساحة (250) دونم، وقمنا في الجمعية العلمية الملكية بإعداد التصاميم الهندسية لهذه المدينة الصناعية المخصصة للتصنيع عالي التقنية High-tech Industry بحيث تمت مراعاة الشروط الخاصة للبناء ضمن حرم المطار من حيث إرتفاعات الأبنية والألوان والمواصفات الضرورية الأخرى، إلا أن المشروع قد توقف لأسباب لا نعرفها. وها هو المشروع ينهض من جديد، في محاولة من شركة المدن الصناعية والحرة (بعد الدمج) للتوسع في خططها وجذب المستثمرين بما يخدم الاقتصاد الوطني. وبالمقابل فإن على المُشغّل الجديد للمطارتطوير أعمال الشركة بما يتناسب مع الإمكانات الإستثمارية الكبيرة لمنطقة المطار، والتي ستدر على المُشغّل عوائد مُجزية، لو أحُسنَ إستغلالها. ونود أن نذكر بأنه قد إنقضت خمس المدة من فترة الإمتياز الممنوحة، فعليكم التحرك سريعاً لإستغلال ما تبقى من المدة لإسترداد الكلف Pay-back Period وعدم الإعتماد على فرضية التمديد غير مضمونة النتائج.
أمّا ونحن ما زلنا في مرحلة الدراسات، فإننا نرى بأن هذا المشروع واعد ويتوجب توسيعه، ولا سيما لكونه ضمن أراضي المطار، مما يخفض كلف النقل للوصول إلى الطائرة، وهي الوسيلة المناسبة لنقل الصناعات خفيفة الوزن، غالية الثمن كالاجهزة الخلوية والكمبيوتر المحمول والإلكترونيات. كما أن الأراضي صالحة للإستخدام في الخدمات اللوجستية HUB، مثل محطات النقل الجوي ل DHL أو ARAMEX وغيرها.
إن ما يميز أراضي المطار، قربها من الطريق الدولي، بحيث يمكن إعادة النقل بالشاحنات المدولبة، أو حتى بالسكك الحديدية، ولا نرى مانع من دراسة هذه المجموعة الدولية متعددة الجنسيات لفكرة جلب مهتمين للإستثمار بالنقل السككي لتنويع المنتوج الخدمي (جوي-بري-بحري) المتاح في الأردن.
ولا ننسى بأن منطقة الجيزة هي على مقربة من خط مياه الديسي، وكذلك من خط أنبوب النفط العراقي المزمع البدء به قريباً، كما أنها منطقة ذات طوبوغرافية منبسطة، ومخدومة بشكبة كهربائية، وبشبكة صرف صحي مع محطة تنقية للمياه العادمة، وشبكة إتصالات سلكية ولا سلكية، وتغذية بمياه الشرب، والأهم من هذا كله، قربها من التجمعات السكانية، حيث أظهرت دراسة أجريناها في كتابنا Impact of Industrial Parks on Urban & Regional Development على الموقع المفترض لمدينة المطار الصناعية، بأن عدد العمالة الصناعية الفائضة تبلغ قرابة (43) ألف عامل، بمعنى أن المنطقة يُمكن أن تستوعب أربع مدن صناعية بهذا الحجم نظراً لقرب الموقع من التجمعات السكانية المحيطة، وأن هذا العدد سيرتفع لتشكل تجمعات سكانية جديدة على محور (عمّان-المطار) التنموي.
لقد أدرك المُخطط الأردني أهمية مطار الملكة علياء منذ مدّة، وباشرت وزارة الأشغال العامة والإسكان بتوسعة طريق المطار، وتم إنشاء طرق خدمة جانبية مُنارة بعرض (13) متر، وتمت توسعة الطريق الرئيسي ليصبح بثلاث مسارب في كل إتجاه، وتم تنفيذ أنفاق عدد (7) لغايات التنقل بين طريقي الخدمة، وتم بناء جسور مشاة ذات مواصفات عالية.
ما يسترعي أنتباهنا، هو وجود جزيرة وسطيه بعرض كافي من الممكن تخصيصها لقطار خفيف (أرضي أو مُعلّق) يربط الدوار السابع بالمطار، وقد يتعداه جنوباً كشريان تنموي يعول عليه كثيرا في تخفيف الضغط عن العاصمة. ويمتد هذا الشريان من تقاطع طريق المطار قرب جامعة الاسراء وحتى مكب النفايات في الغباوي بطول (18) كلم حيث بلغت نسبة الإنجاز في هذا المشروع حوالي (75%) وهو عبارة عن طريق بأربعة مسارب وجزيرة وسطية بعرض (4.5) متر، يهدف الى تخفيف الازدحام المروري داخل مدينتي عمّان والزرقاء، وتحويل حركة الشحن النافذ من الجنوب والشمال والشرق عن مركز المدينتين، وتخفيف الحوادث المرورية على الطرق الداخلية، وتحسين المستوى البيئي ضمن المنطقة. وقد تم إفتتاح المرحلة الاولى من الطريق الدائري، التي تربط طريق المطار مع طريق الحدود السورية ومنطقة ياجوز، والعمل جاري على الجزء الثاني الممتد من منطقة الغباوي شرقي عمان الى منطقة وادي العش على مشارف مدينة الزرقاء بطول (14) كم، وأما الجزء الثالث من المشروع فيتكون من فرعين الاول باتجاه مدينة الزرقاء والثاني يمتد باتجاه طريق الحدود السورية بطول (8) كيلومتر. والمشروع بتمويل من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والذي يجب أن يفتح شهية المُشتغلين بالنقل لإستغلال هذه البنية التحتية المحترمة بما يعود على القطاع الخاص والدولة من موارد مالية مجزية.
كثيراً ما وجهنا سهامنا إلى إخفاق هنا وتقصير هناك، إلا أننا لن نتوانى عن إضاءة الإنجاز الوطني إينما وجد، فالمطار، وطريقه والطريق الدائري، منظومة تنموية متناغمة ننحني إحتراماً لكل من عمل عليها بصمت. بلدنا صغير، نعم ... مواردنا شحيحة، نعم ... ولكن طموحنا كبير، ولن ندّخر جهداً لتحقيقه.