16-09-2013 12:56 PM
بقلم : معن عمر الذنيبات
واضح أن واشنطن فشلت في توفير الحشد الغربي اللازم للقيام بضربة عسكرية في سوريا ، لكن الفشل لم يكن وليد الموقف البريطاني فحسب فعدد من الدول الغربية كان قد اتخذ موقفا أوليا رافضا لتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري ، من هذه الدول ألمانيا وايطاليا وغيرهما، وهو ما استدعى أن يعتبر حلف الناتو نفسه خارج هذا العمل العسكري.
وقد يتساءل المتابع عن دواعي هذا الرفض أو التردد الغربي في الاشتراك في توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري على نحو ما تم سابقا في كوسوفو أو العراق أو قبل ذلك في أفغانستان، ولا شك أن كل من الأمثلة السابقة له ظروفه الداخلية والدولية الخاصة، لكنها جميعا تقوم على توفير إرادة دولية للتدخل خارج نطاق مجلس الأمن الدولي ومن خلال بناء تحالف غربي ينفذ العمل العسكري المنشود.
هنا قد يكون مهما أن نمعن النظر في العوامل التي تشكل الموقف الغربي من أي حدث ، والتي تساعد على توفير حشد حقيقي حول هذا الموقف أوتمنع ذلك:
وما دمنا نتحدث عن الموقف الغربي، ونتحدث عن أمر يتصل بمنطقتنا وتعقيداتها والطبيعة الجغرافية السياسية لها فإن خمسة محددات رئيسية تكاد تتحكم في بناء موقف الدول الغربية نوردها دون الدخول في تفاصيلها، ودون التوقف عند ترتيب هذه المحددات، إذ هي تتنافس في أولويات الترتيب في كل حدث وفي كل مرحلة لكنها متعاضدة وحاضرة دائما:
** التكلفة المادية للحدث ، وتوفر الجهات القادرة على التمويل، وواضح أن الدول الغربية تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وأن سوريا تفتقد إلى الثروات التي يمكن أن تمثل إغراء لأصحاب القرار من الغربيين.
** الموقف الشعبي من الحدث: وهنا يكون صوت الناخب هو الحاسم، والناخب الغربي الذي يئن تحت وطأة الأزمة الاقتصادية العامة، من غلاء وبطالة وعجز في الموازنات، ووقوف على بوابة الإفلاس، يضغط عليه بشدة هاجس العدد الكبير من الخسائر البشرية التي دفعها المجتمع الغربي في العراق وأفغانستان،والفشل في كل سياسات المواجهة العسكرية التي اتبعها الغرب لمواجهة ما يدعوه " الإرهاب والمنظمات الإرهابية"
** تقرير مكانة هذه الدولة الغربية أوتلك في بنية النظام الدولي ومسؤوليتها في هذا النظام وفي قيمه ومصالحه وقوانينه، أي رؤية هذه الدولة أو تلك لمكانتها في النظام الدولي، وتحديد هذه المكانة يقدم التبرير الاستراتيجي للتكلفة المادية والعسكرية والنفسية، وقد رأينا ذلك فيما قامت به وتحملته الولايات المتحدة في أفغانستان، والصومال، والعراق، وكوسوفو.
** صلة الحدث بالأمن الوطني أو القومي لهذه الدولة أو تلك، سواء تعلق هذا الأمن بالأمن الداخلي أو ما يعرف بأمن المصالح القومية بغض النظر عن مكان وجود هذه المصالح.
** صلة وتأثر " الكيان الصهيوني" بهذا الحدث باعتبار هذا الكيان يمثل عقل النظام الغربي وضميره، فكلما كان تأثر هذا الكيان عاليا كان الدافع إلى التدخل في الحدث أدعى وأهم.
إن من يراجع مواقف الدول الغربية من الثورة السورية ومن جهود الولايات المتحدة للحشد العسكري سيجد المحددات التي أشرنا إليها ماثلة أمامه بوضوح. بل إن تحليل البيان الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما نهاية أغسطس بشأن هذا الحشد يدلنا بوضوح إلى ما أشرنا إليه من عناصر تحديد الموقف الغربي.