28-09-2013 09:34 AM
بقلم : د. زيد سعد ابو جسار
قال تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.).
بداية لا بد أن نعلم أن الرسل عليهم الصلاة والسلام قد وهبهم الله تعالى الحكمة فقد كان نورهم يشع بيد الرحمن والخلق ما زال في عالم الأرواح,وتميزوا بين الخلق بالصدق والأمانة وحسن الخلق ومكارمه وهم في الحياة الدنيا لذلك فقد اصطفاهم الله تعالى لنفسه لتبليغ رسالته,وزكاهم من خلال تحصين الأنفس من الأهواء وتضليل الشيطان لهم , وصفاء القلوب من كل اعتقاد بغير الله تعالى.واكتمال العقل , من اجل ذلك فقد كان جميع الأنبياء والمرسلين حكماء لاكتمال الإيمان بالله , الذي منحهم الصبر والتوكل كون ما يحصل هو من إرادة الله تعالى ومعرفتهم أن الإيمان بالله يعني إخلاص القول والعمل لوجه الله تعالى فقد طلبوا الأجر من الله تعالى فستقروا على نفس النهج يملكون أنفس مطمئنة.تقودها عقول حكيمة تتزود بنور التوحيد والهداية في القلوب....
.هذه الحكمة الموهوبة للأنبياء والرسل هي من أسس الدعوة , تقبلها من كانوا بعلم الله من المهتدين حيث اصطفاهم الله تعالى أن يكونوا في عصر الأنبياء فكانوا حواريين وصحابه صدقوا الرسل وتشربوا في قلوبهم التوحيد والإخلاص له حيث تزكت الأنفس من الأهواء وتزكت القلوب من كل اعتقاد زائف وعصمت من وسوسة الشيطان بالإخلاص, فتلت كتاب الله تعالى كتاب الهداية بتدبر فتوصلت للحكمة من التوحيد والحكمة من الهداية : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتم اهتديتم» (أخرجه البيهقي والديلمي)، وهذا معنى لقوله تعالى {هو الَّذي بَعثَ في الأُمِّيينَ رسولاً منهم يتلو عليهِم آياتِهِ ويُـزكِّيهِم ويُعـلِّمُهُمُ الكتـابَ والحِكمـةَ وإن كانوا من قَبْلُ لفي ضلالٍ مبين} (62 الجمعة آية 2)..
إن ما عانت منه البشرية في فترات قد خلت فيها الرسل وما تعانيه بعد انقطاع الوحي بعد خاتم المرسلين بالرغم من خلود الرسالة المحصنة من التحريف لهو دلالة على غياب العقل البشري وإتباعه لهوى النفس وتضليل الشيطان لها ليحل في القلوب التي من المفترض أن تكون مكان للرحمة والقوة فتصبح القلوب مظلمة مقفلة ميتة لا يدخلها إليها النور,تتصارع الناس على الضلالة يستعبد بعضهم البعض ويصبح الحكم للقوي , والعودة إلى العصبية القبلية ويدخل الإنسان في متاهات ومعانات وخاصة المستضعفين .لذلك فعندما يبعث الله تعالى الرسل بعد الانقطاع تجد أن المستضعفين هم أول من يتبع الرسل وتجد أن أقوياء الباطل في تسلطهم على الخلق هم من يحاربون الرسل .لهذا فان سنة تجديد الإيمان قائمة وذلك من خلال الرسالة الخالدة المحفوظة من التحريف ( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ).من خلال عباد الله تعالى يعينهم تعالى على تزكية أنفسهم وقلوبهم من شوائب الدنيا والاعتقاد الخاطئ فتكون قابلة لتشرب علم التوحيد من خلال الهداية .ليتوصلوا للحكمة والتي من خلالها تنقذ البشرية من جهلها وحياة ضنك العيش.....
إن فهم حقيقة التوحيد والدين لا يكون إلا من خلال التوصل للحكمة منهما ,إنها درجة تجعل الإنسان محب لعقيدته ودينه متعلق فيها يقاتل من اجلها ويضحي من اجلها بكل غال ونفيس كونه لا يحيا حرا إلا فيها ويغار عليها ويجعلها دستور لحياته ,إن السر عند صحابة الرسول أنهم قد فهموا ما تلي عليهم من رسول الحكمة عندها عرفوا ماهي النفس ,وشعروا بالرحمة وهي تلامس القلوب ,وشعروا بالعقول المتصلة مع القلوب التي أصبحت تدرك وتميز الحق من الباطل قادرة على الاستنتاج والتحليل....
الحكمة هي كنوز من العلم والمعرفة لحقيقة ومقصد التوحيد وهداية الكتاب الكريم والتي ترجمت معانيه السنة الشريفة ,ومفتاح الحكمة الإيمان بالله كون الإيمان بالله وإخلاص القول والعمل لله يهب البصيرة للقلب والإدراك للعقل من خلال القدرة على تدبر الكتاب والسنة....
بداية الدعوة كانت تركز على التوحيد من خلال كلمة الحق وهي لا اله إلا الله والتي استغرقت ثلاثة عشر عاما(رقم التفاؤل عند المسلم) ولم يكتمل القران الكريم بعد كون التوحيد هو فاتحة الهداية يلزمه تزكية الإنسان من خلال تهذيب النفس وتطهير القلوب من كل معتقد وخبث وبلوغ العقل الإدراك,..
فالحكمة من التوحيد هي لعزة الإنسان وكرامته عندما يتحرر الإنسان من نفسه وهواها ,عندما يكون ارتباطه مع الله تعالى ,عندما يكون عمله وقوله إخلاصا لله ,تستقر العلاقة بين البشر تستقر الصداقة بين الأصدقاء تستقر العلاقات ألزوجيه عندما تم إلغاء هوى النفس من قاموس العلاقات التي تتبع المصلحة ,إن من بقراء أحاديث الإيمان من معلم الحكمة الذي فهم أركان الإيمان من كتاب الله ليجد أن الإيمان يجعل من الأمة عبارة عن فرد واحد ويجعل من الفرد امة ,أحاديث عديدة تشمل كل مناهج الحياة والعلاقات الإنسانية وعلاقة الإنسان مع كل ما في هذا الكون ....
ومنها (لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه )... (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)...(ليس منا من بات شبعان وجاره جوعان).(اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة)....( قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ: الأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ )...( اوصيكم بالقوارير خيرا قالو وما هى القوارير يارسول الله قال النساء) ...( رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ " . قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ )...( إماطة الأذى عن الطريق صدقة )...
إن الحكمة من التوحيد والهداية هي لعزة وكرامة الإنسان والتي لا تكون إلا بصلاح الحياة ,لهذا ارتبط الإيمان بالعمل الصالح ,وكذلك ارتبط الإيمان باليوم الآخر للحساب والجزاء ,والتهديد بغضب الله وعقابه في الدنيا حتى يردع من يفسد في الأرض حتى ينال كل الخلق فرصته في هذه الحياة والتي لا تستمر إلا بالأعمال الصالحة ....
إن هذا الدين يخاطب الإنسان بالحق ويخاطبه ليعيش حياة كريمة ,تترابط فيها الأسرة من خلال المودة والرحمة, انه يوصي الولد بوالديه ويذكره بتداول الأيام انه يوصي الإنسان بجاره ,انه يوصي بالتسامح والإحسان انه يمنع الظلم انه يمنع ما يضر الإنسان ويهديه, انه ساوى بين الناس من خلال تحكيم حكم الله والأفضلية لمن ظهر خيره للبشرية ,( ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).انه يحرم الغش ,ويلعن الكذب ,ويحرم الزنا ,انه يحيي الحب والغيرة والشعور ,انه يصنع الرجال....
إن ابتعاد الإنسان عن هذا الدين وعدم فهمه له دلالة واحده انه البعد عن رحمة الله وتوحيده فيحرم الإنسان من الهداية وحكمتها ,ليعيش الإنسان ذليلا من خلال نفسه ومن خلال الآخرين....
إن الحكمة هي ضالة المؤمن, وهي منحة الله لعباده الذين زكوا أنفسهم وطهروا قلوبهم بشهادة التوحيد اشهد أن لا اله إلا الله وطهروا أنفسهم وقلوبهم بإتباع الهداية واشهد أن محمدا رسول الله .ليصبح الإنسان يدرك ويشعر عندما يقراء كتاب الله وسنة حبيبه ,عندها يستطيع أن يعلل ما يصيبه من يسر وعسر بمدى ارتباطه مع الله ,وارتباط ذلك بما يتمناه لخلق الله ...
أسال الله أن يزكي نفوسنا ويطهر قلوبنا ويكمل عقولنا بالإيمان. آمين والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام ومعلم ألحكمه اللهم رب السموات والأرض أمين...
.