03-10-2013 11:51 AM
بقلم : أيمن موسى الشبول
استيقظ أبو نبيل من نومه ولديه كل الأمل بنزول راتبه التقاعدي هذا اليوم ثم حمل سماعة هاتفه وسأل موظف البنك : أخي مجرد سؤال يا سبد ؛ هل نزلت الرواتب التقاعدية في هذا اليوم ؟ فرد موظف البنك : نعم نزلت الرواتب التقاعدية ... كان هذا الجواب أشبه بحقنة حياة جديدة ليس لابي نبيل وحده ولكن لكل المتقاعدين البسطاء كان جواب الموظف كفيل بتغير ملامح الوجه لدى أبو نبيل في تلك اللحظة حل الفرح الآني وملئت السعادة المؤقتة قلب أبو نبيل وتنحت المرارة والكآبة البغيضة مؤقتا” عن طريق أبو نبيل ... يا له من يوم جميل ومشرق إنه يوم التحرر من ذل الديون والعوز هو يوم تنطق فيه المحافظ الخرساء والصماء من جديد ! وكأني بلسان كل المتقاعدين والموظفين تردد في هذا اليوم الجميل وبصوت متناغم„ : قد أتعبنا طول انتظارك وبعدك عتا وهجرانك ـ أهلا” بالراتب ومرحبا غدا”سنسدد فواتير المياه وندفع الكهرباء ونلبي حوائج البيت ونودع همنا ... ثم إتصل أبو نبيل مع نسيبه المدعو : أبو كفاح والذي كان يرقب راتبه التقاعدي كل ساعة ودقيقة وقال له أبو نبيل : مرحبا” يا نسيبي العزيز ـ أبشرك بنزول الراتب التقاعدي صبيحة هذا اليوم في البنوك ! فرد أبو كفاح بلهفة : هل أنت متأكد من هذا الخبر يا نسيبي ... قل لي هل أنت متأكد ؟ قال أبو نبيل : نعم أنا متأكد فقد اتصلت قبل قليل بموظف البنك والذي أكد لي هذا الخبر ...
وعندها رد أبو كفاح بفرح شديد : بشرك الله بالجنة يا نسيبي ؛ انتظرني ساعة واحدة لافطر ثم آتي اليك بسرعة ... وعندها قال له أبو نبيل : إن طعام الافطار في بيتي جاهز الآن احضر بسرعة وتفطر معنا ثم نذهب بعدها سويا” إلى البنك ...
ثم ركب أبو كفاح في سيارته المرسيدس ١٩٠ وهي سيارته القديمة والتي كان لها في قلب أبو كفاح معزة كبيرة فبينهما عشرة عمر طويلة وهذا الذي جعله يحتفظ بها لهذه المدة الطويلة رغم العوز وسوء الحال ولكنه قرر أن يركنها أمام عينيه لتلبية بعض حاجاته الضرورية والملحة وما هي سوى عدة دقائق حتى وصل أبو كفاح وبعد أن تناولا سويا” طعام الافطار انطلقا في سيارتهما صوب أحد فروع البنوك الواقعة في مدينة الرمثا ... قمت بمرافقتهما في رحلة الفرح هذه لقد كانت رحلة مزروعة بالأمل والسعادة : قالوا فيها لأول مرة سوف ندفع وقالوا فيها لأول مرة سوف نشتري وسوف نعمل بينما كانوا من لأيام طويلة لا يستطيعون قول شيء أو دفع شيء أو فعل شيء أو عمل شيء !!! ... وبعد وصولهما إلى لبنك إنطلقا خلف طابور طويل من المراجعين والذين كان أغلبهم من الموظفين ومن المتقاعدين ورغم العدد الكبير للمراجعين ورغم طول الطابور ظلت الفرحة والسعادة بادية” على وجوه الجميع وهي الفرحة بترك العوز والانعتاق الآني من الفقر والافلات من شلل خيم من لأيام طويلة ...فاليوم فقط قد يملك المتقاعد والموظف حرية الحركة والانطلاق للدفع والشراء والفعل ولو بشكل نسبي ... لقد كان مشهد الموظفين والمتقاعدين وهم يتهئون لتحصيل رواتبهم يشبه إلى حد كبير مشهد الأسرى الفلسطينيين الواقفين في طوابير لاستعادة حريتهم المسلوبة بعد قرار الافراج عنهم من قبل الأحتلال ...
وبعد قبضهما للراتب التقاعدي غادرا سويا” لسداد فواتير الكهرباء والمياه ولدفع ضرائب المسقفات ولسداد فواتير الهاتف وهنا بدأ العد التنازلي لزوال تلك الفرحة وقدوم الحلقات العصيبة والجديدة من المرارة المستمرة والكآبة المتواصلة ... ولكن ورغم هذه المنغصات فهناك مساحة باقية” للفرح والسرور التي بدت على وجوه الجميع حين عادا محملين بالمطالب الأساسية للأسرة ...
كم هو مسكين هذا الموظف والمتقاعد وهو ينتظر بلهفة لحظة الفرح الوحيدة في كل شهر ثم ليجد نفسه بعد لحظة الفرح هذه قد دخل في جولات متتابعة ومتوالية من المرارة والكآبة والعوز والحرمان ثم ليعلن استسلامه وعدم قدرته علىمواصلة الحركة في منتصف الشهر وليعيش من جديد لحظات انتظار الفرح والفرج الموعودة مع نهابة كل شهر ...
للعلم فان أبو نبيل هو أبي أما أبو كفاح فهو خالي كانا متقاعدين من القوات المسلحة رحمهما الله وغفر لهما بعد أن أصبحا اليوم بين يدي الله ...