03-10-2013 11:55 AM
بقلم : سامي شريم
يبدو أن مهمة الحكومات الأردنية الحديثة باتت أسهل بكثير من مهمات حكومات أردنية قديمة وحكومات دول أخرى تعي واجب ومسؤولية و دور الحكومة الحقيقي ويبدو واضحاً أن مهمة الحكومات تقتصر على تأمين النفقات الجارية للدولة فقط دون عناء فقد وجدت أن الاستجداء و فرض الضرائب ورفع الأسعار هو أسهل طرق الكسب ، إضافة إلى الاحتفال بعقد القروض وطرح سندات الخزينة بعد أن اكتشفت أنه بالإمكان عقدها باليورو والدولار بجانب الدينار الأردني وتسويقها إذ لا زال في الجراب بقية وهي تعي تماماً أن هذه الحلول هي الطريق الأسرع للوصول إلى دولة فاشلة آيلة للسقوط لأن استمرار الاعتماد على الآخر لا يمكن أن يستمر كما أن مانح المساعدة لا يقدمها لسواد عيون الأردنيين ودعم مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة وتحقيق الديمقراطية وصيانة حقوق الأفراد والأقليات وضمان التعددية السياسية وتحقيق رفاه المجتمع الأردني ، كما رفع الأسعار الذي يزيد معاناة المواطن واحتقان الشارع ولا يُجدي نفعاً ، كما أن الأردن لم يعد خط الدفاع الأول أمام التحدي الإسرائيلي بعد أن دخلت الأردن طرفاً في اتفاقية سلام مع إسرائيل بل أصبح التعاون مع الإسرائيلي في المجال الأمني والاقتصادي من الثوابت الأردنية، ولم تعد الدول العربية معنية بمساعدة الأردن من أجل المواجهة القادمة فقد أصبحت الأموال العربية تتحرك ضمن أجندة صهيونية بهدف حماية الأمن القومي الأمريكي المتمثل في خدمة وحماية إسرائيل ومصالحها الحيوية وهو هدف أمريكا الأول في منطقة الشرق الأوسط وكذا قوى الغرب المتصهين في بريطانيا وفرنسا .
إن الغرب بقيادة أمريكا يعي تماماً أن أية ديمقراطية في دول العالم الثالث عامة والعربية على وجه الخصوص لن تكون في صالح أمريكا على العكس فإن رأس أمريكا هو المطلب الأساس للشعوب عندما تعبر عن آرائها بديمقراطية فلن ينسى العرب أن خلق إسرائيل ومساندتها ودعمها وتقديم مصالحها في المنطقة هو أحد أهم أسباب فقر وجهل ومعاناة الأمة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها ولولا وجود هذا السرطان لكانت الأمة في أفضل حال ولكن وجود هذا الكيان المسخ له أهم الأثر في ضياع انجازات الأمة وسرقة مقدراتها وسبب في تجميد ثرواتها في صفقات خردة السلاح الغربي التي تتكدس في مخازن السلاح التي لم نحتج إلى استخدامها يوماً إلا في إذلال شعوب المنطقة وتركيعها خدمة للحاكم المعين بإرادتها و لمواصلة رهن هذه الدول وإغراقها في ديون البنك والدولي وصندوق النقد ضماناً لاستمرار مصادرة إراداتها وقراراتها السيادية وتوظيفها في خدمة المصالح الإسرائيلية والغربية على حساب زيادة فقر وجهل الأمة وصولاً إلى معاناتها .
إن إغراق دول المنطقة في الديون لمنع أية نهضة حقيقية تقود هذه الدول للاعتماد على ذاتها أو على طاقاتها وعناصر إنتاجها وتشجعيها على الإمعان في هدر طاقاتها وتعطيل إمكاناتها بل تبديدها وتحويلها إلى أسواق للسلع والخدمات التي يصدرها الغرب هي أسمى أهداف برامج القروض والمساعدات من خلال فرض اتفاقيات العولمة لإخضاع دول المنطقة وإبقائها تابعة للشركات متعددة الجنسيات التي أصبحت القوى الاقتصادية الحقيقية بعد أن أجبرت الدول على التوقيع على اتفاقيات منظمة التجارة العالمية والتي تقلص صلاحيات الدول وتشل إرادتها وصولاً إلى منع الدولة من السيطرة على حدودها لتمنع دخول سلعة أو تفرض رسماً جُمركياً عليها ضماناً لحرية تدفقها دون أدنى اعتراض وليس مهماً أن تغلق الدول مصانعها و أو مؤسساتها وتُسَرح موظفيها لترفد البطالة بأعداد جديدة لتتحول إلى بطالة حقيقية أو بطالة مقنعة بهدف زيادة كلفة الإنتاج وضمان استمرارها أسواقاً مضمونة على الدوام .
كالصَّياد الذي يذرف الدمع على الضحية!!! تفتح دول الغرب الباب لتقديم المساعدات والقروض لتصرف على بذخ الحكام وتابعيهم وتُطالبهم بإقامة مؤسسات خدمة الديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد وتكريس التعددية إلى أن تتضخم نفقات هذه الدول وتصبح غير قادرة ضمن إمكانياتها على توفير أساسيات مواطنيها و بعد أن تعجز الإيرادات في هذه الدول عن تغطية نفقاتها الأساسية ، يصبح الاستجداء وعقد القروض هو المهمة الأساسية لحكوماتها لضمان دوام الاستكانة والتبعية والإذعان والانقياد لسياسات ومشاريع هذه الدول ومصالحها وتصبح الحارس الأمين لأمنها وضمان تمرير مخططاتها الرامية للسيطرة على المنطقة شعوباً وثروات وهذه سياسة ثابتة حافظت عليها منذ حادثة الداي حسين عام 1928م حين طالبته فرنسا بتسديد الدين بوقاحة عن طريق القنصل المقيم فقام الداي بطرد السفير ملوحاً بمروحة كانت على مقربة منه فقامت فرنسا باحتلال الجزائر إلى أن أصبحت وقاحة هذه الدول في طلب الديون مقبولة ومحتملة ولم تعد هناك مرواح ولم يعد هناك من يلوح بها , بل أصبح مندوب البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي مهما بلغت صلافته هو المعتمد في تقييم سلوك الدول ومدى التزامها وأصبح البيان الصادر عن الصندوق يُقرر مصير الدول ويذهب بها نحو الاستقرار أو الفوضى تبعاً لالتزامها بمصالح وسياسات المعسكر الصهيوامريكي!!!.
وقد استمرأت دول العالم الثالث والأردن على وجه الخصوص سياسة الاحتفال بعقد القروض واستجداء المساعدات التي لا يمكن أن يفرج عنها إلا إذا وصلت عوائد التعامل مع هذه الدول إلى صناديق الدول المانحة أضعاف أضعاف ما يقدم من مساعدات ففي التقرير الأخير لحجم المساعدات المقدمة لدول إفريقيا وجد أن العوائد الموردة لصندوق الاتحاد الأوروبي 13 ضعف المساعدات المقدمة وبذلك تم الإفراج عن المساعدات المزمع تقديمها بعد وصول التقرير ، وفي أمريكا يجب أن لا تقل عوائد ما يقدم من مساعدات إلى الدول طالبة المساعدة عن 3 أضعاف حجم المنحة لكي يتم الإفراج عنها وتمنح من مخصصات الأمن القومي الأمريكي بمعنى أن متلقي المساعدة معني بالإسهام في الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي على أي حساب كائن أو يكون ولو على حساب المبادئ والقيم والدين أو حساب الخيانة والنذالة وقلة الأصل إذا أردتم .
وحتى لا أُطيل عليكم فإن القروض والمساعدات لا تبني دولاً ولا تضمن استمرارها الحل الوحيد للمعضلة الأردنية هو زيادة الانجاز الحقيقي عن طريق إيجاد فرص عمل منتجة حقيقية لأيدي عاملة وطنية ماهرة مُدربة قادرة على صناعة حاجة الوطن وأبناءه وزراعة المحاصيل التي يحتاجها المواطنين ووقف استيرادها وتقليص العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات عن طريق الاستعاضة عن المستوردات بسلع وطنية منتجة بأيدي أردنية ورأسمال وطني ، وزيادة الصادرات بالتوسع في السلع المنتجة محلياً والتي تتطلبها أسواق الدول الشقيقة والصديقة ودول العالم الأخرى كالتوسع في إنتاج الفوسفات والبوتاس والنحاس والصناعات التعدينية الأخرى الممكن إنتاجها محلياً، والتوسع في مشاريع الطاقة والطاقة البديلة واسترجاع الأموال المسروقة والأصول المنهوبة بفعل اتفاقيات صورية كان الكومشن السياسي وجمع الإمارة والتجارة هو المناخ السائد الذي صيغت فيه هذه الاتفاقيات ودخلت حيز الانجاز حتى نحافظ على كرامة الوطن والمواطن ونحافظ على قيمة العملة الوطنية ونضمن سداد ديون الوطن وإلغاء عجز الموازنة .