05-10-2013 12:01 PM
بقلم : د. قاسم جديتاوي
سنة الله الخالدة في هذا الكون ، او كما يقال الارض كروية ، فبعد أن كان الحديث عن أزمة الديون هو حديث يخص دول العالم الثالث، والفقيره منها على وجه الخصوص، بدأ الاهتمام العالمي للأسواق ينصب اليوم على احتمالات توقف الولايات المتحدة، أغنى وأقوى اقتصاد في العالم عن خدمة ديونها التي تعدت حاجز (16,7) تريليون دولارا التي وصلها السقف الماضي ، ولكي تتمكن الخزانة الأمريكية من إصدار سندات جديدة تستخدمها في خدمة ديونها القائمة و في تمويل إنفاقها العام، لا بد من رفع سقف دينها من جديد وكما هو معروف فأن السبب الأساسي لتصاعد الدين العام الأمريكي هو العجز المتفاقم في الميزانية الأمريكية.
الوضع المالي للولايات المتحدة أصبح اليوم في غاية الخطورة، فالحكومة الأمريكية تقترض اليوم اكثر من 40 سنتا من كل دولار تقوم بإنفاقه، قد تبدو تكلفة هذا الاقتراض محدودة في ظل المعدلات المنخفضة للفائدة السائدة حاليا، ولكن أي تصاعد في معدلات الفائدة في المستقبل سيحمل كارثة للولايات المتحدة.
لقد تعلقت روح الاقتصاد الامريكي في خدمة الدين العام اليوم في ديمومته على رفع سقف الدين العام بشكل مستمر ، وذلك لكي تتمكن الخزانة الأمريكية من إصدار المزيد من السندات لخدمة هذه الديون، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة أصبحت تقترض لكي تخدم ديونها وهو تطور في غاية الخطورة، إذ بهذا الشكل يصبح الدين العام الأمريكي اليوم أشبه بلعبة بونزي (Ponzi Game)، أو ما يطلق عليه بلغتنا العامية " تلبيس طواقي " يأخذ من زيد لكي يدفع لعمر.
أن ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي يجب ألا ينظر إليه على أنه مؤشر لاحتمال فشل الدولة في خدمة ديونها، ويمكن القول إنه ليس هناك معدل محدد يمكن القول عنده أن الدولة مهددة بالتوقف عن خدمة ديونها، على سبيل المثال على الرغم من أن دين المملكة المتحدة كان يمثل 240 % من الناتج المحلي لها بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تقع في هذه المشكلة، كذلك فإن دين اليابان يمثل حاليا نحو 200 % من ناتجها المحلي الإجمالي، ومع ذلك فاليابان تستطيع أن تقترض ما تشاء وبمعدل فائدة صفر تقريبا، على العكس من ذلك فإن هناك دولا أخرى وقعت في هذه الأزمة عند نسب منخفضة جدا للدين إلى الناتج المحلي، على سبيل المثال ما حدث لروسيا في 1998 بنسبة دين إلى الناتج المحلي تساوي 12.5 %، وألبانيا في 1990 بنسبة دين 16.9 %.
في كتاب لهما بعنوان "This Time is Different" توصل Reinhart" وRoogff " إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ليست مؤشرا جيدا على احتمالات التوقف عن السداد، وإنما تاريخ عملية التوقف عن السداد في الدولة، على سبيل المثال البرتغال لديها تاريخ طويل في التوقف عن السداد، بينما الولايات المتحدة ليست كذلك، وبالتالي فإن الأسواق تكون أكثر حذرا في التعامل مع الحالة البرتغالية عن الحالة الأمريكية. والآن ما الذي يحدث إذا توقفت الولايات المتحدة عن خدمة دينها العام؟ الحقيقة أن الآثار التي يمكن أن تترتب على ذلك، وفي هذا التوقيت بالذات هي آثار مرعبة، ويمكن تلخيص هذه الآثار في الآتي:
أولا: ستضطر الحكومة الأمريكية إلى تخفيض الإنفاق العام بصورة حادة، الأمر الذي يعقد من أوضاع استعادة النشاط الاقتصادي، ومما لا شك فيه أن اضطرار الولايات المتحدة إلى اتباع سياسات تقشفية سيغرق الولايات المتحدة مرة أخرى في الكساد.
ثانيا: شيوع حالة ذعر عظيمة في الأسواق العالمية، وهو ما يمكن أن يحدث صدمة هائلة في أسواق الأصول ليس فقط في أمريكا، ولكن في أسواق العالم أجمع، بصفة خاصة في أسواق الأسهم حيث من المتوقع أن تتأثر أسعار الأسهم بصورة كبيرة.
ثالثا: من المؤكد أن مؤسسات التصنيف الائتماني ستقوم بتخفيض تصنيف الدين الأمريكي مره اخرى وهو ما يمكن أن يحول السندات الأمريكية إلى سندات غير مرغوب فيها عالميا Junk Bonds في تصنيفها العام إذا توقفت الولايات المتحدة عن خدمة الدين ، الأمر الذي سيدفع المستثمرين في الدين الأمريكي إلى طلب معدلات عائد أعلى، وعليه ستضطر الولايات المتحدة إلى دفع تكلفة أكبر لديونها.
رابعا: إلقاء ضغوط إضافية على الدولار المنخفض أصلا، وفي ظل السياسات الحالية لا يوجد أمل في تحسن وضع الدين العام الأمريكي في المستقبل المنظور، وبالتالي ستتراجع قيمة الدولار بصورة كبيرة أمام العملات المختلفة الأمر الذي يمكن أن يزيد من الضغوط الحالية التي يواجهها الدولار، حيث قد يدفع العالم للتخلص من الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية.
خامسا: سوف يعاني المستثمرين من خسارة كبيرة نتيجة لتراجع قيمة الدولار، خصوصا بالنسبة للمستثمرين الذين تقترب سنداتهم من الاستحقاق، فقد قاموا بإقراض الولايات المتحدة بدولار قوي نسبيا، بينما يستردون هذا الدين بدولار ضعيف نسبيا.
سادسا: مع ميل معدلات العائد على الدين الأمريكي نحو التزايد فإن تكلفة خدمة الدين سترتفع على الميزانية الأمريكية وهو ما يؤدي بالولايات المتحدة إلى الدخول في الحلقة الخبيثة Vicious Circle للدين العام، ويقصد بالحلقة الخبيثة للدين العام أن ارتفاع حجم الدين العام الأمريكي في ظل الأسعار المرتفعة للفائدة يؤدي إلى زيادة تكلفة خدمة الدين العام وزيادة مستويات الإنفاق العام، هو ما يرفع من قيمة العجز في الميزانية العامة، وبالتالي زيادة الحاجة نحو الاقتراض.
تستطيع امريكا والعالم من خلفها تجنب معظم هذه المخاطر من خلال استمرارها في الالتزام بخدمة الديون، وليس لدي أدنى شك في أنه سيتم التوصل إلى صيغة توافقية حول زيادة سقف الدين بين الإدارة والكونجرس كما جرت العاده ، على الرغم من أن ذلك لن يحل المشكلة الهيكلية التي تواجهها. قضية رفع سقف الدين ليست هي لب الموضوع، وإنما تكمن المشكلة الأساسية في لجوئها لرفع السقف بين حين وآخر ولمستويات أصبحت مرتفعة جدا حاليا، وبالتالي أصبح من المهم الآن بالنسبة لامريكا ضرورة البحث عن سبل تخفيض معدل نمو الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي الأمريكي، حتى لا يهدد ذلك قدرة الولايات المتحدة على خدمة ديونها على المدى الطويل.
هذا بطبيعة الحال اذا كنا مقتنعين بانها ليست تمثيلية بين الجمهورين والديمقراطين لسرقة العالم من خلال رفع سقف الدين، الذي يعني ببساطه طباعة نقود ورقية لا يقابلها اي التزام او انتاج حقيقي داخل حدود امريكا وشراء سلع وخدمات تم انتاجها فعلا من قبل شعوب وامم العالم الاخرى ، وهي بهذا تسرق جهد وعرق وتعب العالم بابخس الاثمان والمتمثله فقط بتكلفة الورق والحبرالذي تصنع منه اوراقها النقدية، اتمنى ان يفيق العالم يوما ويرد الصاع ليس صاعين فقط الى هذا الطاغوت بل اضعافا كثيرة.