20-10-2013 03:19 PM
بقلم : نادية عبد القادر
قرأتُ معلومةً تُفيدُ أنك في أيّ مكانٍ كنتَ فيه فإنك لا تبعد أكثر من متر ونصف عن أحد العناكب.. وتذكرتُ المعلومة عندما رأيتُ عنكبوتاً صباح اليوم يقفز بعنفٍ من فوق شبكته نحو الأرض متحفزّاً ومتحدياً ..
كانت عناكبنا مثلنا مسالمة، تنتظر أن يأتيها رزقها على مدخل شباكها ، ولكن يبدو أن طول الانتظار وحِدّة الجوع وطول مدته قد جعلتها تتجرأ على الخروج علناً وفي وضح النهار !!
لم يهتم عنكبوتي الصغير بأمنه عندما جازف بنفسه متحدياً إيّاي بجرأة ، واقفاً على " مرمى ضربة حذاء " – أعزّكم الله – مدركاً أنني قادرةٌ على سحقه بلمح البصر..
ورغم كرهي للعناكب إلا أنني – احتراماً لما أظهره من كبرياءٍ وتحدّ ٍ – لم أقم بقتله ..فقد أدركتُ أن غريزة البقاء لديه كانت أهمّ من شعوره بالأمن ، وشعرتُ أن هذه الغريزة موجودة أيضاً لدى البشر وهم يعانون من ربط جوعهم بأمنهم .. علماً بأنّ جميع المبادئ والنظريات المنطقية تُصنّفُ تلبية حاجات البشر الرئيسة في قاعدة "هرم الحاجات" وأساسه كالطعام والماء والنوم.. يليها تأمين السكن ومستلزمات الأمان والسلامة ..فإن لم تتحقق بنود القاعدة ، فلن يبحث الإنسان عن أمنه قبل تأمين طعامه ..فهي سنّة الحياة وفطرة الله التي فطر عليها خَلقه ..
لا شكّ في أن الأمن والأمان نعمةٌ يُحسَد عليها الكثيرون ولكن لا يُمكن لمواطن - بات يخشى فقره وجوعه وعري أولاده وبردهم – أن يبحث عن الأمان وهو مشغولٌ بتأمين الحاجات الرئيسة حتى آخر جهده .. وما تقوده كل هذه المشاعر والضغوطات من انبثاق مجموعة من المقهورين تنحرف بهم الطريق عن جادتها..
وقد نُسِبَ لأبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه قوله : " عجبتُ لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج للناس شاهراً سيفه " أو كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " لو كان الفقر رجلاً ..لقتلته " !!
والفقر والغلاء والجوع أهمّ أعداء الأمن والأمان.. وحافزٌ شديد لدوام الغضب والعنف ومسبّب رئيس لتفشّي حالات الانحراف والإجرام بين من لا يستطيعون سدّ رمق أطفالهم الجياع العراة وتسهيل انحراف ذوي النفوس الأضعف عن سواء السبيل والبدء بقبول الرشاوي والسرقات والاختلاس وحالات النصب والاحتيال وغيرها وغيرها..
ولا ننسى أن مفهوم الأمن لا يتجزّأ .. فالأمن الشامل يضم الأمن الغذائي " وأين هو والفقر يتربع في حياة الكثيرين و بيوتهم ، و" الأمن الاجتماعي " ونقصه حيث تزايدت الجرائم نتيجة تضييق الخناق وسبل المعيشة على الشعب ، إضافة إلى " الأمن السياسي " والذي لا مجال لطرحه هنا إلا بعد تحقيق الأمن الغذائي والاجتماعي أولاً..
في النهاية نقول .. نتمنى أن يُدرك القائمون على وطننا أنّ لدى المواطن أولويات تمّ التعدي عليها ..وهنا عليهم – هُم – أن يُغيّروا أولوياتهم حتى يتداركوا ما تمّ تخريبه من استقرار الوطن والمواطن..فيعود لنا أمننا وأماننا ..
للتعليق اضغط هنا