23-10-2013 10:02 AM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
هل تغير المزاج الأردني في السنوات الأخيرة بفعل ما سمي "الربيع العربي"؟.. ذلك سؤال مطروح ومشروع ولعل الإجابة عليه تتطلب مزيدا من القراءة والبحث في الشخصية الأردنية وظروف تكوينها، والى أي مدى تلعب الظروف المحيطة، والواقع السياسي والاجتماعي في تشكلها إيجابا أو سلبا؟!! ولعل من المهم الإشارة في البداية أن علماء الاجتماع هم الأقدر على الإجابة بشكل علمي أكثر وأدق ولكنني أحاول أن القي أضاءه متواضعة.
وبالرغم من الأردنيين امتازوا تاريخيا بالسماحة وطيب المعشر، والسلوك الودود والدافئ ورحابة الصدر وسعته، والبعد عن اعتماد العنف، والقسوة، والاحتجاج في حل ما يعترضهم من هموم ومشاكل ، ألا أن الصورة آخذه في التبدل شيئا فشيئاً، وبشكل لا تخطئه عين، ولا ينكره عقل متابع، وتكاد حالة الشكوى والرفض والتذمر والشعور بالظلم هي السمة الغالبة على ملامح الناس وأحاديثهم، وحتى على صحتهم حيث تشير بعض الدراسات، أن هناك ما يقارب مليون أردني مصابون بارتفاع ضغط الدم أي 20% من السكان؟!!،وأكثر من مائتي ألف حالة اكتئاب مكتشفه تتلقى العلاج؟!!.
من الناحية الاقتصادية، تشير بيانات رسمية إلى زيادة استهلاك ملحوظة لكل أدوات تعديل المزاج المشروعة وغير المشروعة، فمثلا يلتهم الأردنيين ما يقارب 20 مليون كغم من الشاي والقهوة لتعديل مزاجهم وينفقون ما يقارب 400 مليون من دنانيرهم على التدخين وتوابعه، مع الإشارة إلى أن كلفة آثار التدخين وتوابعه تكلف الخزينة العامة ذات الرقم لمعالجة آثاره الصحية!!.
في هذا السياق يمكن النظر إلى الاحتجاجات المطلبية كواحدة من الأسباب والمنغصات التي "تعكر المزاج الأردني وتبدله" والتي خرجت عن إطارها المعهود منذ بدء التغيير في تونس، وانطلاق ما عرف "بالربيع العربي"، فقلما يمر يوم على الأردن منذ أواخر العام 2011، دونما أن نسمع عن حالة خروج جماعي أو فردي للمطالبة برفع مظلمة أو إعادة حقوق حجبت، أو البحث عن امتيازات يفترض أن تكون موجودة حسبما يعتقد المحتجون، وغالبية هذه الاحتجاجات تتركز في القطاع العام في كل مفاصله، وفي كل مستوياته، يهاجمها المسؤول وينتقدها وهو على رأس عمله، ولكن سرعان ما يبررها عندما يغادر الحقيبة الوزارية؟!!.
وإذا كان الاحتجاج أمر مشروع ومقر في كل الشرائع الدولية وفي كلا النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية، ألا أنه في النظم التي لا تملك تراث ديمقراطي متأصل يكون واجهة لحالة تعبير عن احتقان سياسي في الأصل ولكن التعبير هنا يأخذ منحى مطلبي اقتصادي واجتماعي.
أسوق الحديث هنا عن الاحتجاجات المطلبيه بالرغم من البعض قد يرى عدم وجود رابط موضوعي بينها وبين تبدل المزاج والسلوك الأردني الغاضب، وغياب رحابة الصدر، وسيادة التجهم والعبوس على محياهم، وتراجع الابتسامة التي تحلى بها الأردنيون دائما، الصورة تتغير يوما بعد يوم وعلينا أن لا ندفن رأسنا في الرمال وننكرها، فلا الموظف مقتنع بوظيفته وما تقدمه له، ولا الطالب مقتنع بمدرسته أو جامعته أو ملتزم بواجبه، ولا العشيرة مقتنعة بواجهتها العشائرية وحقوق أبناءها في الوظيفة العامة، ولا النقابات مقتنعة بان منتسبيها حصلوا على حقوقهم كاملة ولا حتى من يسير في الشارع راجلا أو راكبا يشعر بأنه استوفى كامل حقوقه من الدولة في الشارع؟!!، والعكس صحيح الدولة والحكومات تشعر بان كل هؤلاء مقصرين في واجبهم الذي تفرضه القوانين والأنظمة؟!!.
ومع ذلك أذا كان تبدل هذا المزاج مرتبط بموجة "الربيع العربي"، فنحن مدعوون جميعا للتفاؤل بقرب عودة المزاج الأردني إلى حالة "الروقان" المعهودة فيه، لا سيما وان كل العناصر المحيطة تبشر بقرب "أفول" هذه الفوضى التي أخرجتنا من طبيعتنا، وجلدنا، وسجيتنا، والتي يمكن لك عزيزي القارئ أن تسميها أي شيء ألا "الربيع".
في النهاية، هل يعاني الناس من ضغوط اقتصاديه واجتماعيه؟ نعم بالتأكيد، وهل نعاني من جمود أو تراجع أو ضعف أو تردد في الإصلاح السياسي؟ نعم، هل ينعكس كل ذلك على مزاج الناس ويساعد على ضيق خلقهم؟ صحيح، الصورة ليست ورديه ومثاليه بالتأكيد، ولكنها ليست بهذا السوء يستدعى هذه السوداوية وتغير المزاج؟!!.
في بلادنا الكثير مما يدعو للتفاؤل والأمل والإحساس بان الآتي بفضل الله سيكون أفضل وأجمل، فنحن نعيش في محيط ملتهب من النار، والفوضى، والضياع ولكننا نعيش بحالة من الاستقرار يفتقدها الكل في الإقليم وندعو الله أن يحفظها ويحفظ الأردن.
znawaiseh@yahoo.com