27-10-2013 10:38 AM
بقلم : أحمد محمود سعيد
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ذلك قول الخليفة الفاروق العادل عمرو بن الخطّاب قبل الف واربعمائة عام لابن الاكرمين ابن عمرو بن العاص كان يدرك حينها الفاروق ان الحريّة هي حقُّ اساسي من حقوق الانسان في اي مكان وزمان .
وتقوم جميع الشرائع الدينيّة والقوانين والدساتير الوضعيّة للدول المتقدّمة التي تتبع انظمة ديموقراطيّة في حكم شعوبها على حريّة الفرد وحرية التعبير من اهم تلك الحريّات مع المحدّدات الاخلاقيّة مثل الغيبة، والحديث عن شخص آخر والمس بسمعته وتجريحه.والسخرية من الآخرين وإسقاط هيبتهم والكذب عليهم.وكشف عيوب الآخرين أمام الناس.
والقيود القانونية مثل إيذاء الآخرين وقذفهم بأمور يعاقب عليها الدين كشرب الخمر والرذيلة وغيرهما.وتكفير المسلم.والافتراء على المسلم.وسب الله ورسوله محمد(ص).وسب دين غير المسلمين أو إطلاق لقب كافر عليهم. {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون} الأنعام .
كذلك هناك محددات لحرية التعبير في الإسلام فمثلاً إذا أراد إنسان أن ينهي إنسان آخر عن عمل حرام فلا يحق له أن يدخل بيته مثلاً دون استئذانه ليقوم بذلك ولا ينظر داخل البيت أو يسترق السمع عليه فيعرف أنه يشرب خمرا مثلاً، فيأمره وينهاه.
وفي مجتمعاتنا العربية والاسلاميّة إلاّ ما ندر لا يحترم المسؤولون هذا الحق من حقوق الفرد بالرغم انّها مطرّزة في تشريعات تلك الدول ودساتيرها الوطنيّة والقوانين السارية فيها ولكن على ارض الواقع نجد ان هذا الحقّ منتهك بشكل صارخ وذلك بالرغم من وجود مجالس تشريعيّة من واجبها مراقبة اعمال الحكومة ومؤسساتها وصون حقوق المواطن وكذلك وجود هيئات ومجالس ونقابات تعمل على المراقبة كذلك ولكن القوّة الفعليّة للحكومات من خلال مؤسساتها الامنيّة والاستخباراتيّة والسلطة الماليّة والقضائيّة وعندما يُصادر حق الانسان في حرّيته بالتعبير عن الرأي فهذا يعني إقصائه من المشاركة في تحديد شروط حياته الكريمة واقل المتطلبات لضمان عيشه وعيش عائلته .
وفي معظم الحالات يعتقد بعض المسؤولين ان حق التعبير عن الرأي للمواطن يدفعه للتفكير بمنافسة المسؤول على منصبه او بالتأثير على المواطنين ليتّخذوا مواقف معارضة للسياسات التي يتخذها نظام الحكم في القضايا المختلفة والتي قد تمس علاقة البلد مع الدول والانظمة الاخرى والمصالح الشخصية للمتنفّذين في تلك الانظمة .
لذلك يلجأ النظام عادة ومن خلال الاجهزة التنفيذية للحكومات بتكميم افواه العباد ومن يتجرّء على التصريح والاعلان على الرفض او ابداء الرأي او التحريض السلمي او تشكيل تكتّلات وتجمّعات لها نفس النظرة المعارضة لمواقف الحكومة بالرغم من وجود تشريعات تسمح بذلك او قوانين وتعليمات للتعدّدية وتشكيل الاحزاب .
لكلّ ذلك وفي معظم الدول نجد ان الشريحة الصامتة في المجتمع هي الشريحة الاكبر عددا حيث ان آثار سياسة تكميم الافواه ومنع الحريّات وإن كانت تُمارس في فترة منقضية ما وظروف معيّنة وحتّى بعد انتهاء تلك الظروف ومرور الشعب في مرحلة التغير والتحوّل السياسي تبقى تلك ظاهرة الصمت في المجتمع لفترة طويلة بعد ان يرحل ذلك النظام وذلك الجيل الذي عانى من مرحلة الإقصاء وتكميم الأفواه وتأتي اجيال جديدة تكون قد مارست الحريّة والديموقراطيّة ولا يمكنها الرجوع للوراء والخنوع لعهود الإقصاء والعقاب الجماعي للشعب وتلك هي صفة الدول المتقدّمة التي يحق لأهلها ان يقولوا ان حرّيتهم سقفها السماء اما شعوب دولنا في العالم الثالث التي ما زالت بعيدة عن الديموقراطيّة وحرّية القول والممارسة حسب التشريعات النظريّة التي تتغنّى بها حكوماتنا ووزرائنا ومسؤولينا تقرّبا للنظام وتحقيقا لمكاسب شخصيّة افضل لهم ولأقاربهم ولذلك سقف حرّيتنا هو السراب الذي لا وجود له .
ان الزمن الكئيب الذي تعبره الشعوب العربيّة والذي أطلق عليه تعبير الربيع العربي اسما ولكنّه فعليّا خريف سقط فيه زعماء دكتاتوريّون سلبوا الشعب قوته وسقطت فيه عقدة الخوف لدى الشعوب وتلك هي ايجابيّاته ولكن في نفس الوقت سقط فيه مئات الالآف من القتلى الابرياء من الفقراء والمساكين والمندفعين نحو شعارات واحلام كانت صعب المنال وسقط فيه مئات الألوف من الجرحى والمفقودين والمهجّرين واللاجئين وسقطت فيه مكوّنات كثيرة من مكوّنات الشعوب مثل الممتلكات والتراث والموارد الماليّة والماديّة وسقطت فيه الكثير من القيم والمبادئ واستبدلت بقيم سوء الاخلاق والكذب والخداع وسقطت فيه الكثير من فرص التعليم والإبداع واستبدلت بالجهل والخمول والكسل وسقطت فيه قيم الإيثار والنخوة والنصيحة واستبدلت بقيم الاستغلال والخديعة والتحالفات وسقطت فيه قيم الممانعة والمقاومة واستبدلت بالتحالف مع العدو ومعاندة الشعوب وسقطت فيه اغاني الوحدة والمشروع العربي القومي واستبدل بتقسيم الاراضي طائفيا وقبليا وعرقيا وتشجيع النزعات الطائفية والقومية والوصول لمراحل العداء العلني بينها ولنا في الكثير من الامثلة على ارض الواقع فمنذ احتلال العراق وتقسيم شعبه لثلاث طوائف حتى الان وثم الانقسام الفلسطيني ومن بعده انقسام الوطن السوداني لدولتين وبعده قد يأتي دور ليبيا باتجاه التقسيم وثم اليمن الذي على وشك ان يعود يمنين والان دور سوريا التي ما زالت في عالم المجهول والحبل على الجرّار .......
والاهم من ذلك سفوط العقل العربي في عالم الجهالة والضمير العربي في عالم الخيانة والقلب العربي في عالم الكراهية والجسد العربي في عالم الرذيلة والانسان العربي في مستنقع الضياع وهذا السقوط يتسابق فيه الحكّام والمحكومون في عالمنا العربي ذو الحضارات الآفلة .
وكما هي حريّتنا سقفها السراب فإن حاضرنا يكتنفه الغموض ومستقبلنا سراب بلا معالم كلّ ذلك لأنّ ماضينا القريب لا يُشرِّف الانسان الحرْ .
وكما قال احمد شوقي عام 1926
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمــراءِ بابٌ
بِكُلِّ يَدٍ مُضَــــرَّجَةٍ يُدَقُّ
نَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ
وَكُلُّ أَخٍ بِنَصرِ أَخيـهِ حَقُّ
حمى الله الاردن ارضا وشعبا وقيادة واسبغ عليه بنعمة الحريّة المسؤولة والامن والأمان .