27-10-2013 10:55 AM
بقلم : غالب سالم عياصره
حضر في الصباح الباكر الى احدى الشركات باحثا عن عمل وقد اختلط ماء العيون ببؤس الحياة .. يتسامى ان يبوح عما به من ضيق و فقر عض جسده ونهش عياله فاحرق قلبه ، يكتم سره جلس على مقعد الانتظار يفكر ، كيف يروي قصة جوع تفتك وتدمر اخر لحظات الحياء لديه ؟ وبين رشف قهوة الترحاب يبتسم وفي صدره الف جرح نازف مدفون يُحول الرشف في فمه الى علقم وكدر ؟ !
لكن الامل لا يبرح عينيه في ان ينال وظيفة تقيه سؤال الناس ، دخل الى مكتب مدير ، حائر .. بعد ان شحذ همته وأطلق للسانه العنان ليصوغ كلمات رطبة ناعمة يريد ان تكون فاتحة خير وتمهيدا لطلب جاء من اجله ، وظيفة لا يرى غيرها علاج لجرح نازف ..شرح وأفصح ثم خرج صامتا ينتظر .. ودخل الثاني ثم الثالث ... الخ والناس ما تزال تتوالى .
فالفقر والمرض تغلل العظام وسكن ، يذيقانهم الامرين وغالبا يجتمعان ولا يفترقان !
راح يستعرض كل قادم ومغادر فلا يلحظ إلا الفقر في عيني الناس يتلألأ وقد اصابهم ما اصابه من ضيق .. قروض وعبء تعليم وارتفاع اسعار وضرائب تفرض على الاغنياء فيأخذونها بدورهم من جيب فقير يحتاج للعلاج كحاجته للهواء والماء . .. و رواتب لا تكفي عامل او متقاعد فالكثير بين شاكي وباكي .
انقضت ساعات طويلة وهو جالس على مقعده الى ان انتهى دوام ذلك اليوم وهمّ كل موظف للخروج مسرعا تاركا عمله للغد الاتي وما زال يترقب ويأمل ان يأخذ ورقة تعيينه بعمل ما كي تضاف الى ورق العمر الذي حملته الملفات في بطونها اياما وشهورا وسنوات مع غيره من البشر .. حيث كان شابا يعمل كرئيس ومرؤوس اذ كان الرؤساء يتقلبون من حال الى حال كل حسب مزاجه وهو يصارع عنفوان خيلائهم بالعمل والكلمة الطيبة والصبر كي يبقي ورقة التعيين نظيفة تحتوي على سطر واحد فقط لا يطمسها غبار الحسد و الحقد والشحناء وقول المتزلفين والمتسلقين والمنافقين ممن اعتادوا ان يغتالوا احلام الناس ويقتاتوا على محن الاخرين وآلامهم ليرتقوا على اكتاف ليسوا هم ملاكها ويعشوا لغد ات ليسوا هم من بُناته .
سقط زهر سنوات العمر وضاع عطر ريحانه وجاء اليوم الذي حكم على تلك الورقة ان توشح بتوقيع وختم معلنة نهاية عمله وإغلاق مسيرة عطاء ه بعد ان سلبت روح شبابه وعنفوانه وكبلت ملفه بالشمع الاحمر وسجنته كباقي ملفات المتقاعدين الذين اضحى ليلهم مكابدة للهموم ونهارهم صراع وشقاء وبؤس ومعاناة تكبر من يوم لآخر وهم ما زالوا طامحين بالحصول على عمل يملأ افواها جائعة وان يسهموا في شق طريقها الى حياة كريمة .
وبين خيال وأحلام ازهق خلالها ساعات حتى مالت الشمس عن محور النهار وضعف شعاعها وهو ينتظر قرارا يريح ويزيل هما ارهق نفسه خرج المدير برفقة ضيف يتلألأ وجهه لمعانا وانبساطا الابتسامة لا تغادر وجه المدير تجلت بشاشة وانشراح تصافحا للوداع وقبل ان ينزع يده من يد ضيفه قال المدير مطمئنا "سعدنا بلقائك .. من اليوم تم تعيين فلان لدينا" .
اخترقت الكلمات اذنيه وتصدع الامل وضاع الانتظار حمل همومه التي جاء بها وزاد عليها عبئا وتعبا وبضع مصاريف اخرى عائدا الى بيته .. طرق الباب هرع اطفاله اليه فالقى السلام وشيئا يأكلونه ثم جلس وروى ما كان من ساعة خروجه حتى عودته وقد لفه التعب والضيق لكنه اقسم على نفسه ان يبقى باحثا عن عمل وان تكرر المشهد نفسه كل يوم مع اختلاف المؤسسات والشركات.