28-10-2013 09:59 AM
بقلم : يسري غباشنة
هو عدد سكان لواء الكورة الذي يمتعض قاطنوه من سياسات التهميش وإشاحة النظر تجاهه من الحكومات المتعاقبة. هذا الخزّان البشري النّقيّ الذي لم يتلوّث بأي ميكروبات أو جراثيم من جراثيم الفساد الذي استشرى في أركان هذا البلد الطّاهر، لم يجد لحرّاث منهم متّسعًا في مجلس الأعيان الأخير. ففي الوقت الذي تأكل فيه الديدان ثمار هذا البلد، وتثير في أزهاره خرابًا وتلفًا، يحرص حرّاثو هذا اللواء على البذار والغرس المبارك في مرتفعات برقش وسهول ارخيم وأبو القين. وفي الوقت الذي يتكرّش فيه ذوو البطون الجرباء من خير هذا البلد سحتًا وحرامًا، يروي أبناء الكورة تينهم وزيتونهم بحبات العرق من جباههم السُّمْر التي لفحها شمس الشّفا.
في نظر حكوماتنا، أبناء هذا اللواء لا يصلح أن يكون أيٌّ منهم سفيرًا أو وزيرًا أو محافظًا، بل ولا حتى أمينًا عامًّا لإحدى الوزارات؛ لا سياديّة ولا خدميّة. في نظرهم، ينحصر دور اللواء في ذكره عند التّعداد السّكّاني للأردن ليس إلّا. في نظرهم، يتجمدّ دور أبنائه في الخدمة العسكرية التي نتشرف بها أبًا عن جدّ، وفي التعليم وباقي الوظائف الوسطى فقط، ولا يصلحون لخدمة بلدهم في باقي المناصب الأخرى التي اقتصرت على السلالات والمحاسيب والأصهار. وظلّت فيها هذه المناصب ضمن دائرة مغلقة على هذه الفئة بحيث ينتقل فيها السفير إلى وزير ومن ثَمَّ يعود عينًا أو دولة فلان. وإن وصل إلى أرذل العمر، فإنّه يسلّم الرّاية إلى ابنه فحفيده وهلمّ جرّا. ويبقى جبرٌ ابن أبي جبرٍ قابعًا في زاويته حتى لو ناء كاهله بما يحمل من شهادات وكفايات تعليمية وخبرات.
مَنْ لم يُمَثَّلُ في مجلس الأعيان من أحزاب لهم بَواكٍ وباكيات، أما الكورة فلا بواكٍ له. فنحن في اللواء لم نعتد البكاء ولا النّواح ولا اللطم، بل اعتدنا الكدّ والعمل بصرف النّظر عن قِصَرِ نظر غيرنا. لبس السّرسريّة الجّوخ، والحرامية الحرير، الذي لا يستر لهم عورة، في حين ارتدينا مثل غيرنا من أشراف الأردن ثياب الولاء والانتماء والحشمة. وسنبقى بعون الله تعالى على مبادئنا هذه حتى لو عضضنا على الصَّوَّان والقِرِطْيان.
قد يقول قائل أنّ هذه النّظرة المناطقية ضيّقة، ولا تتناسب مع المجتمع المدني الحديث الذي نسعى إلى تحقيقه في الأردن. وفي هذا القول كثيرٌ من الصّحّة والمصداقية، كي نتخلص من الشللية والمحسوبية وووإلخ.ولكن، أيعقل عدم وجود شخص واحد يصلح أن يكون عينًا أو محافظًا أو سفيرًا مثلًا في لواء عدد سكانه مئة وسبعة وعشرون ألفًا وأكثر. فهذا اللواء في المملكة الأردنية الهاشمية وليس في الصّومال ولا جيبوتي ولا جزر القمر. نعم النّظرة المناطقية ضيقة، ولكني أتحدث عن لواء مساحته أكثر من مئتي كيلومتر، ويضمّ بين جنباته نحو اثنتين وعشرين بلدة وقرية.
إنّ سياساتِ التّهميش التي تنتهجها الحكومات في جيوب الوطن النّظيفة من الرّجس سياساتٌ قاصرةٌ على المدى القريب منه والبعيد؛ فهذه السياسات المتعثرة هي التي تولّد الإحباط، وتفرّخ العنف، وتنسل الانحراف والتّعصب الأعمى في نفوس المواطنين الذين إن فقدوا العدالة في المؤسسات الرّسمية التي نأتمنها على مستقبلنا فإنهم سيبحثون عنها بطرق ملتوية، وسيرتمون في أحضان التّطرّف أيًّا كان نوعه.