29-10-2013 03:46 PM
بقلم : صالح المشاعلة
يقطن الموظف الحكومي المثالي فرج سويلم في وادي صبره الواقعة في الجهة الجنوبية من محمية البتراء الأثرية ويبعد الوادي عن مركز مدينة البترا حوالي 10كم، ويتطلب الوصول إلى ذلك الوادي مسيرة حوالي ثلاث ساعات مشياً على الأقدام، يمتطي فرج حماره الذي اعتاد على السفر في رحلات دورية وغير منظمه بين مكان السكن ومدينة وادي موسى، وغالباً ما يكون هدف الرحلة التزوّد بالمواد التموينية الضرورية "السكر والطحين".
في ثمانيات القرن الماضي عين فرج براتب 90 دينار شهرياً بوظيفة حارس لآثار وادي صبره، حيث يحتوي الوادي على العديد من المعالم الأثرية المهمة، إضافة إلى محاولة قيام مجموعات عديدة من المشعوذين والباحثين عن الدفائن الأثرية بالبحث عنها في تلك المنطقة، حيث يكون لهم فرج "أسد صبره " بالمرصاد ويحول وجود هذا الرجل دون تنفيذ مخططاتهم والتي غالباً ما تستهدف الخرب الأثرية.
يعيش فرج بعد وفاة زوجته منذ أكثر من عشرين عاماً مع ابنه "مسلم" وابنته الوحيدة حياة صعبة تحفها المخاطر دون مأوى وفي العراء... نعم ...انهم يلتحفون السماء ويفترشون الأرض وفي أيام الشتاء العصيبة الباردة يلجأون إلى الكهوف بعيداً عن مجاري السيول، اعتاد فرج وأولاده على تناول الوجبة المفضلة وهي الخبز المطهي بالنار " العربود " مع الشاي ... أن قلب هذا الرجل لا يعرف الحقد والحسد والنميمة، يصحو مبكراً لإقامة صلاة الفجر ويذكر الله ويتأمل في هدوء وطمأنينة.
إن زائر الوادي يشعر بوحشة المكان لكثرة الهدوء وتعرجات ذاك الوادي السحيق الذي تكمن في طياته قصص الماضي المجيد وهموم المستقبل المجهول!!! وأثناء المسير الذي لا تسمع فيه سوى قرع النعال وقذف الحصى ويتبادر للزائر خلو المكان من الكائن البشري ومع متابعة المسير في تعرجات الوادي المتشعّب فانه لا بد ... بل ومن المؤكد ظهور ذلك الرجل ،يظهر بكل هدوء وبطيبة نفس يستقبلك بابتسامتهِ البشوشة التي تشرح صدر الزائر وليس من طبعهِ كثر السؤال والإلحاح بل يشعرك بأنه موجود في المكان وانه احد مكونات هذا الوادي، ان رسالته الدائمة التي تُقرأ بعينه ولكل من يرتاد الوادي "أهلاً وسهلاً بك زائراً معززاً مكرماً ولكن احذر من العبث في مقتنيات هذا الوادي فانت مراقب".
آثر فرج الحياة القاسيه في بطن الوادي على حياة الفلل . بيد ان الرجل الذي نشأ وترعرع على حب الوطن واداء امانة الوظيفه بكل صدق وامانه امتثالاً لقول الله تعالـى : "فليؤد الذي اؤتمن امانته وليتق الله ربه "، وتفرّد هذا الرجل بشخصيهِ تمتاز بالصدق والوفاء والصبر والعنفوان في عهد كَثُرَ فيه الهرج والكلام والمطالبات والاعتصامات ، انه نعم الموظف المثالي في أدائِه ويشهد له الجميع.... ونعم المواطن الصالح الذي يعتز بوطنه ويكن له كل حب واحترام... لم ينادي يوماً للوقوف محتجاً لتلبية مطالبهِ الشخصيه ، ولم يفكر يوماً في إغلاق طريق وادي صبره أو المطالبة بوضع مطب على باب المنزل وتركيب وحدة إنارة بل يعصف ذهنهُ تفكيراً في المحافظة على مقتنيات الوادي الأثرية ويحاول ويسعى جاهداً لوضع الوادي على مرمى عينيه ويتحسس زواره من كافة الاقطار
كل الحب والتقدير للموظف المثالي فرج وننثني لك احتراماً وتقديراً ... قلوبنا معك يا أبا مسلم انك نعم المثل الصادق والقدوة الحسنة .... ندعوا الله العلي القدير لك التوفيق وان يحفظك برعايته.