30-10-2013 10:20 AM
بقلم : د. زيد سعد ابو جسار
قال تعالى( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم)..كفر الأعراب ناتج عن استسلامهم لتحكم الظروف بهم ,ونفاقهم ناتج عن تفاعلهم مع هذه الظروف القاسية ,التي ينعدم فيها الاستقرار لعدم توفر مصادر الرزق ,وغياب الصدق والعهود والأمانة من حياة الأعراب , ليعم الجفاء بين الإنسان ومحيطه, ويعم التعصب القبلي الأعمى ,تتصارع القبائل وتغزوا بعضها البعض من اجل البقاء ,هذا الواقع يعكس شدة الكفر والنفاق على حياة الإنسان , فقد صح عن رسول الله صلى اله عليه وسلم أنه قال : من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن. رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وصححه....
في قصة سيدنا إسماعيل عليه الصلاة وأمنا هاجر عليهم جميعا السلام في استخراج ماء زمزم دلالة على أهمية توفر مصادر العيش التي توفر الاستقرار للإنسان, وفي قصة سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل عليهم الصلاة والسلام في بناء أول بيت (الكعبة ) دلالة على أهمية الصدق والعهود والأمانة في حفظ الاستقرار التي تقوم عليها المجتمعات المدنية المتحضرة ...
لهذا فان اختيار الأنبياء والمرسلين من ضمن هذه المجتمعات المدنية والقرى , ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ).ليطهروا قلوب الناس من كل اعتقاد خاطئ ويزكوا أنفسهم بالصدق وحفظ العهود والأمانة, وليعلموهم الحكمة من الاستخلاف وعمارة الأرض ومن التوحيد ومن العبادة ,ليتمسك الإنسان بهذا العلم وينقله من جيل لأخر,وذلك ضمن مجتمع مدني مستقر, وهذا ما تفتقر إليه الأعراب إذ أن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم كما قال الأعمش عن إبراهيم قال : جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه ، وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوند ، فقال الأعرابي : والله إن حديثك ليعجبني ، وإن يدك لتريبني فقال زيد : ما يريبك من يدي ؟ إنها الشمال . فقال الأعرابي : والله ما أدري ، اليمين يقطعون أو الشمال ؟ فقال زيد بن صوحان صدق الله ,( وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله)...
مما ذكر فان الأعراب لهم تواجد في كل زمان ومكان وذلك عندما لا يوفر الإنسان مصادر العيش ليستقر ويحفظ هذا الاستقرار بالعقيدة الصحيحة من خلال تنقية القلوب من كل اعتقاد ومن خلال تزكية النفس من السوء ,ليعيش الإنسان ضمن مجتمعات أممية كباقي ما خلق الله تعالى من دواب وطير...
إن ما نشاهده من واسطات ومحسوبية وسرقات ما هي إلا مسميات أخرى لغزوا الإنسان للإنسان ,وعودة التعصب القبلي الأعمى نتيجة فقدان الأمن والأمان والجشع والفقر وغياب العدل والقصاص, وإن ما نشاهده من شدة و ضنك العيش الذي وعد به الله تعالى لمن اعرضوا عن ذكر الله تعالى ما هو إلا العيش ضمن فبح الكفر والنفاق والجهل الذي تجسد في حياة الأعراب...