30-10-2013 10:26 AM
بقلم : الدكتور شفيق علقم
يعرف هذا التنظيم الجهادي بداعش او داغش، وكلا المصطلحين يؤديان إلى معنى جلي واضح، فاذا كان الاول فهو الاسم الحركي المختصر لدولة الاسلام في العراق والشام ، واذا كان الثاني فبالاحتكام إلى قواميس اللغة العربية يعني انه هو طالب تحقيق الهدف بحرص وحرارة واصرار ومنعة، والهدف هو اقامة دولة او امارة اسلامية في العراق والشام ، ولا مشاحة في المصطلح.وهو تنظيم كغيره من التنظيمات والفصائل والجماعات الاسلامية التي انتشرت في الاونة الاخيرة على معظم مساحة الارض السورية ،والتي غدت بعد ابتلائها بكارثة دموية وحرب اهلية مروعة – اعانها الله على الخروج منها – مرتعا وملاذا وملجأ لعدد كبير ومتنوع من هذه التنظيمات التي تتبع كل منها اجندة مختلفة ، وذات ولاءات وتوجهات اسلامية متنوعة ، اذ ثمة على الارض السورية اضافة إلى جيش النظام السوري واتباعه ومعاونيه ، كتنظيم حزب الله اللبناني ،وبعض المنظمات الشيعية الايرانية والعراقية الموالية ، ما يقارب من مائة الف مقاتل ،يعدون في صفوف المعارضة، ويؤلفون مجموعات كثيرة ، تعد بالعشرات ، منها جماعات وفصائل مرتبطة بتنظيم القاعدة العالمي المعروف ، ومنها مجموعات ومنظمات اسلامية لم ترتبط باجندة خارجية ، كما ان هناك مجموعات من الثوار العلمانيين والوطنيين ،وفصائل ذات توجهات اسلامية متحالفة مع المعارضة السياسية السورية المدعومة من الغرب.بعض هذه الجيوش والاحزاب والحشود والمجموعات تتحدث عن العزة والوطنية والكرامة والديمقراطية لكنهم يمارسون المصلحة الخاصة بابداع، ومنهم من يقاتل دونما هدف ،وهو ما يشكل مأساة في حياتهم ،التي لا تكمن في عدم الوصول إلى الهدف ، ولكنها تكمن في الا يكون لهم هدف يحاولون الوصول اليه ، وثمة من يقاتل بلا اخلاق ولا انسانية ، وهؤلاء ينظرون إلى النصف الفارغ من الكاس ويتعامون عن النصف الاخر الممتلئ منها وهم المتشائمون في الحياة.
لقد كانت الحروب والثورات والعصيان والانتفاضات والمجاعات والاوبئة منذ اقدم عصور التاريخ تعد من اهم العوامل الحاسمة لعمليات التحول الاجتماعي عند الشعوب ،ولكن عصرنا الحديث اضاف اليها عوامل اخرى تتمثل في هبوط او فشل ميكانزمات النظام الاقتصادي والسياسي والاداري والاجتماعي والاخلاقي ،وسيطرة الفساد والمفسدين والمستفيدين والمتنفذين ، فهذه وهؤلاء قد اناخت بكلكلها على البلاد والعباد ، حتى وصل الوضع إلى حالة جمود سياسي او موقف مضاربة، ففي هذه الحالة لا يكون من المحتمل فيها الوصول إلى قرار ،فيوصف مجتمعها بمجتمع الصفر ،حيث يغدو اسلوب السياسة بالنسبة لهذا المجتمع (مجتمع الصفر) اسلوب تور يط في المعضلات والمآزق ،وغالبا ما يستتر وراء بلاغيات تلك الزمرة الحاكمة التغيير والتبديل، وهكذا يظل الوضع القائم باقيا على ما هو عليه.
اما داغش التنظيم الجهادي ،موضوع اهتمامنا ،فهو كيان سياسي جهادي مسلح ،وهو الاقوى والاصلب عودا والاشد قتالا ،والمسيطر في ساحات الوغى والنضال، حيث يعتمد الهجمات الاستشهادية والمعارك السريعة الخاطفة في الاستيلاء على المواقع والمدن ، فهو المسؤول عن تفجيرات الريحانية وباب الهوىعلى الحدود التركية ، وقد سيطر على مدينة اعزاز قرب هذه الحدود بسرعة خاطفة ؛ مطالبا تركيا بفتح المعابر مع سور يا ،واغلب مقاتليه من المسلمين الاجانب ،تشكل هذا التنظيم عام 2006 ، من تحالف فصائل مجاهدة متعددة، يهدف إلى تطبيق تعاليم الشريعة الاسلامية ،وقد انتشرت قواته المقاتلة في العراق وسوريا ،وسيطر دون منازع على اهم المواقع في المناطق الشرقية والشمالية المحاذية للحدود مع العراق وتركيا ؛وذلك ضمن خطة استراتيجية لوجستية محكمة لتامين الامدادات والموارد اللازمة من المقاتلين والاسلحة.
وهذا التنظيم الجهادي يقوم منذ زمن بعمليات نوعية في العراق، الا ان عملياته النوعية توسعت وامتدت إلى سوريا اثر اشتعال نيران الحرب فيها ،وقد اعتبر هذا التنظيم بحق من اقوى التنظيمات الاسلامية ،حيث يعرف عن المقاتلين الاسلاميين في هذا التنظيم الشدة والقوة والصلابة في القتال ،مما دعا إلى تنامي قوة داعش وسيطرته ، فاثار ذلك توجسات ومخاوف بين الدول الغربية بشكل خاص ؛مما اثناها عن تقديم العون والدعم للمعارضة السورية المتمثلة في الجيش الحر بشكل عام ،مخافة انتقال هذا الدعم لذاك التنظيم القوي ، هذا وقد ظهر خلاف عميق بين داغش والجيش الحر بسبب عدم الاتفاق على مبادئ القتال، وتكفير بعض الكتائب ،وقتل بعض عناصرها ،مما ادى إلى اشتباكات بينهما في بعض الاحيان.
والسؤال الذي يكبر ويتردد دائما على كل فكر ولسان، إلى متى هذه الحرب المجنونة والويلات اللعينة ؟ إلى متى هذا التقتيل والتخريب والموت والدمار ؟ إلى متى ياشام ؟ !! يا بوابة التاريخ ؟! ويا مجد بني امية !! ياذات الترابات من طيب ومن خير ومن طرب !! لم يبق في الليل فيك الا الصوت مرتعشا الا النساء والاطفال تصرخ والشيوخ والتعذيب والحجر
شآم يا ابنة ماض حاضر ابدا كانك السيف "للهامات يختصر"
ان بعض النهايات مرة كالحنظل ،لكنها تجعلك مستيقظا ومترقبا دائما ،
و سوف يستحيل ان تنشأ في ظل هذه الحروب والصراعات اجيال محترمة او نفوس طيبة او اخلاق بريئة ،فالصراعات التي تنتج دما مرا وموتا اسودا تجعلك شخصا مستنفرا متشائما دائما ، فكما قال زهير بن ابي سلمى:
وما الحرب الا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة وتضر اذا ضريتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثقالها وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم
فتنتج لكم غلمان اشام كلهم كاحمر عاد ثم ترضع فتفطم.