04-11-2013 05:31 PM
بقلم : أحمد محمود سعيد
نعيش هذه الايام عبق اسلام الاولين قبل الف واربعمائة واربعة وثلاثين عاما اسلاميا اي ما قبل الف وثلاثمائة وواحد وتسعون عاما ميلاديا عندما نزلت إرادة المولى عزّ وجلْ الى رسوله الكريم محمد عليه افضل الصلاة والسلام بالهجرة من مكّة المكرّمة الى يثرب المدينة المنوّرة .وسميت المدينة بدار الهجرة والسنة ، وصارت الهجرة إليها من سائر الأنحاء الأخرى التي بلغها الإسلام تقوية للدولة إلى أن قال النبي (ص ) بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجاً : "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا" وبقي معنى الهجرة في هجر ما نهى الله عنه، وبقيت تاريخا للأمة الإسلامية حتى الان وللهجرة عند المسلمين معان عميقة في الوجدان والعقيدة، إذ تفصل بين الحق والباطل بالهجرة إلى الله، بالهجرة من الشرك والكفر إلى الإسلام، وبذلك تعد الحد الفاصل بين عوائد المجتمع الجاهلي ونظامه وتأسيس دولة الإسلام بالمدينة المنورة. ولذلك كله بدأ التأريخ الهجري عند المسلمين انطلاقا من عام الهجرة النبوية من مكة إلى يثرب التي أصبحت بعد ذلك تسمى المدينة المنورة.وقبل هذه الهجرة اذن رسول الله (ص ) للمسلمين ان يهاجروا للحبشة مرتين حفاظا على دينهم قبل ان تقوى شكيمة المسلمين في الدفاع عنه خاصّة انه كان يحكم الحبشة النجاشي وفي قلبه رحمة وشفقة ويقبل وجودهم.
اما بعد تبعثر المسلمون واشتعال الحروب فيما بينهم نرى ان العرب والمسلمون فقدوا كثيرا من اراضيهم وحين انتشر النزاع والكراهية والعداوة بين زعماؤهم تفرّقوا وضاعت قوّتهم التي كانت بوحدتهم وبتمسّكهم بتعاليم دينهم واتباع ما ودد في القرآن الكريم والسنّة النبوية الطاهرة .
وبعد ان هجر كثير من المسلمين دينهم اضطروا ان يهجروا اوطانهم بعد ان تكالب عليهم الاعداء واستغلوا صفات الكذب والخيانة وبيع الضمائر والجري وراء المال والجنس والفساد ونسو الشرف والاخلاق والمروءة وحيث ان هذه الهجرات كثيرة سنأخذ بعض ما تم خلال القرون الماضية القريبة ومنها الهجرة والخروج الاسلامي و العربي من الاندلس حيث كانت السنوات الأولى من القرن الخامس الهجري تحمل في إرهاصات سقوط الأندلس.. فقد سقطت الدولة العامرية، آخر حامية أموية وأمنع معاقلها في الاندلس .
وظهر في الأندلس أكثر من عشرين دولة يتقاسمها الأندلسيون والبربر والعرب والصقالبة والمستعربون.. فقد قامت في كل مدينة دولة، بل ربما اقتسم المدينة أكثر من طامع ومنافس. واستمر أمر هذه الدول أو هذه المدن المتنافسة التي عرف حكامها بملوك الطوائف استمر أمرها أكثر من خمسين سنة.. أُمتهن فيها الإسلام والمسلمون، وتوسل كل ملك منهم بالفرنجة ضد إخوانه المسلمين .
لقد أخفق ملوك الطوائف في أن يلموا شملهم، وأن يتوحدوا في مواجهة الخطر المحدق بهم، فقد كان كل واحد منهم يعتقد أنه الأحق بالقيادة والزعامة..
وشهد القرن السابع الهجري سقوط معظم القلاع والمدن الإسلامية الأندلسية واحدة بعد الأخرى بيد الفرنجة، ولم تفلت منه - إلى حين - سوى مملكة غرناطة، التي لم تلبث بعد قرنين - أن سقطت بيدهم.
وعلى امتداد الأندلس بدأ الفرنجة يسوقون المسلمين المفككين، المتنافسين بالألقاب والجواري والمغنين والمغنيات والترف والفسق والفجور، المنقسمين في ولائهم بين ملوك الفرنجة.. حيث فقدوا العون الإسلامي الخارجي، فقد كانت كل دول الإسلام منشغلة بالحروب ، وكان كل أمير أو ملك يغني على ليلاه .
وقد شهدت سنة 644هـ بداية التحرك الإفرنجي ضد أشبيلية، وتمكنوا من الاستيلاء على حاميتها .
لكنها سنة الله في حركة التاريخ فعندما يتم الخروج على قوانين السماء تتجمع عوامل الفناء فيغلق باب العودة فتتحقق الإبادة وهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا !!
إن قصة خروج العرب من الأندلس لم تكن قصة عدو قوي انتصر عليهم بقدر ما كانت قصة هزيمتهم أمام أنفسهم وهي قصة ضياعهم وأكلهم بعضاً بعضا كما تأكل النار الحطب.
وكان سقوط (قرطبة ) أكبر معاقل الإسلام في الأندلس سنة 633هـ البداية للسقوط التام في الأندلس .
وقد اضطر ابن الأحمر مؤسس مملكة غرناطة إلى أن يهادن ملك قشتالة، وأن يعقد معه صلحاً لمدة عشرين سنة، وعندما كاد أمد الصلح بين ابن الأحمر وبين ملوك قشتالة ينتهي سعى ابن الأحمر لتجديد الصلح وفي سبيل ذلك تنازل عن عدد كبير من بلاد الإسلام قيل إنها بلغت أكثر من مائة بلد وحصن! فقد كان كل شيء عند هؤلاء ممكناً التنازل عنه بعد أن استعبدوا الدنيا وأعمتهم السلطة وتخلوا عن الإسلام وقيمه ومبادئه واليوم يعيد التاريخ نفسه فهذه السلطة الفلسطينية تتنازل عن ثوابت الأمة ومقدساتها والقضية الفلسطينية كي تنصب نفسها على دولة تقوم على الفتات التي يتكرم به الصهاينة عليها.
وفي الشرق الأندلسي كان شيء من هذا يحدث على نحو أعتى وأقسى وأمر، فقد بدأ ملكان كاوثوليكيان هجومهما على الممالك الاسلامية وعندما قررا إنهاء الوجود العربي في الأندلس أرسلا إلى السلطان العربي يطلبان منه تسليم مدينة الحمراء الزاهرة، ويتعهدان بالإبقاء عليه حياً يعيش في غرناطة تحت حمايتهما.. وتوقع السلطان ابو عبد الله النصري أن هذا الطلب إنما يعني الاستسلام بالنسبة لآخر ممالك الإسلام في الأندلس، فرفض الطلب، ودارت الحرب بين المسلمين والفرنجة واستمرت عامين قادها فارس مسلم هو موسى بن أبي الغسان وبفضل هذا الفارس وأمثاله وقفت غرناطة في وجه الملكين الكاثوليكيين عامين وتحملت حصارهما القاسي سبعة أشهر ولكن لم يكن ثمة شك في نهاية الصراع.. فأبو عبد الله الذي لم يحفظ ملكه حفظ الرجال. والانقسام العائلي والخلاف الداخلي في المملكة في مقابل اتحاد تام في الجبهة المقابلة للفرنجة مضافاً إلى ذلك تاريخ طويل من الضياع والصراع بعيداً عن الإسلام عاشته غرناطة وقد ورثته عن الممالك التي سبقتها في السقوط كل تلك العوامل قد عملت على إطفاء آخر منارة إسلامية في الأندلس.
وقبل أن يركب أبو عبد الله الصغير (آخر ملوك غرناطة) سفينته مقلعاً من عاصمة ملكه وملك آبائه، مودعا آخر أرض علا فيها النداء الخالد (الله أكبر.. الله أكبر) في أوروبا بعد ثمانية قرون عاشتها في ظلال الإسلام واستضاءت بهدي نوره.
في هذا الموقف المفجع العنيف وقف أبو عبد الله الصغير فوق هضبة البادول المطلة على الأندلس ورأى مملكة غرناطة تزهو على الدنيا أمامه وقد رحلت عنه إلى الأبد يبكي بألم وحرقة ضياع هذا المجد فتزيده أمه كمداً بقولهاابكِ كالنساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال!!!!!!!.
وكمثال آخر هو الهجرة للمسلمين الشركس بعد الحرب مع روسيا القيصرية في 1864م وخسارة الشركس لهذه الحرب، وخسارتهم أرضهم واستشهاد ما يقارب من مليوني نسمة من أجدادهم وتهجير 90 % ممن بقي منهم على قيد الحياة تهجيرا قسريا مأساويا عن أرض وطنهم الأم.
كما يجتمع شراكسة تركيا وأرض الوطن الأم شمال القفقاس وشراكسة أمريكا وفلسطين المحتلة وألمانيا كل في مدينته أو في أماكن مختارة ليستعيدوا ويحيوا ذكرى ذلك اليوم الأسود المشؤوم وذكرى ضياع أرض وطنهم وتشريد شعبهم ويستذكرون المآسي التي جلبتها لهم حروب الإبادة الروسية الطويلة التي قاسوا ويلاتها سنين طويلة.
لواء الاسكندرون العربي الذي ضُم لتركيا حيث عند بدء الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان تبع اللواء ولاية حلب. كان لواء اسكندرون في اتفاقية سايكس بيكو داخل المنطقة الزرقاء التابعة للانتداب الفرنسي بمعنى أن المعاهدة اعتبرته سورياً وهذا يدل على أن هذه المنطقة هي جزء من سوريا.وفي معاهدة سيفر عام 1920 اعترفت الدولة العثمانية المنهارة بعروبة منطقتي الاسكندرون وقيليقية (أضنة ومرسين) وارتباطهما بالبلاد العربية.كان اللواء جزءا من المملكة السورية العربية التي قامت عقب نهاية الحرب العالمية الأولى وسقطت بيد الاحتلال الفرنسي في معركة ميسلون.بعد توحيد الدويلات السورية التي شكلها الانتداب الفرنسي، ضُم لواء الاسكندرون إلى السلطة السورية المركزية.
وفي 1937 أصدرت عصبة الأمم قراراً بفصل اللواء عن سورية وعُين للواء حاكم فرنسي.وفي 1938 دخلت القوات التركية كما أشرفت الإدارة الفرنسية على استفتاء حول الانضمام إلى تركيا فاز فيه الأتراك وشكك العرب بنتائجه وخصوصا أن الاتراك لعبوا بالاصوات لصالحهم، وابتدأت سياسة تتريك اللواء وتهجير السكان العرب ، ثم قامت تركيا بتغيير كافة الأسماء من العربية إلى التركية وفي عام 1921 كان العرب يشكلون ثلثي السكان، ومع فصل الإقليم حسب قرار عصبة الأمم كان عدد سكان اللواء 220 ألف نسمة، 105 آلاف منهم من العرب الذين قاطعوا الاستفتاء الذي أجرته السلطات الفرنسية المحتلة، وأعطى هذا غلبة كبيرة للأتراك من حيث عدد المسجلين للاستفتاء سنة 1938بينما يسكن الإقليم حالياً حوالي مليون نسمة، ولا يوجد أي تعداد للنسبة العربية من سكانه بسبب السياسة التركية القمعية للأقليات القومية، ويشكو سكان الإقليم العرب من القمع الثقافي واللغوي والعرقي الذي تمارسه تركيا عليهم والتمييز ضد الأقلية العربية لصالح العرق التركي .
وكمثال اخر ما زلنا نعيش تبعاته الانسانية والقانونية والدينية حتى الان هو الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين العربية والهجرات الفلسطينية لدول الشتات خاصّة الاردن وسوريا ولبنان وكذلك هجرات العراقيّين واللبنانيّين والسوريّين والصوماليّين وغيرهم .
كل تلك الهجرات التي جائت بعد هجرة الرسول (ص ) للمدينة المنوّرة كانت هجرات انهزاميّة شعارها الخوف والمذلّة بينما هجرة المسلمين بقيادة الرسول عليه السلام كانت هجرة عز وفخار لحماية الاسلام ونشر الدعوة الاسلامية وتأسيس الدولة الاسلامية والتي قامت على التضحية والصبر والايثار وقد اكتوى فيها المسلمون بعد ان هجروا دينهم وابتعد معظمهم خاصة زعماؤهم عن القرآن الكريم وسنّة رسولهم الذي ما كان ينطق عن الهوى .
وهكذا ضاعت الاندلس والاسكندرون وفلسطين بايدي المسلمين والعرب انفسهم واستعاض عنها معظم الحكام والمسؤولين بالمال الحرام والرجس بينما كسب المواطنون الفقر والبؤس والتشريد واللجوء فشتان بين هجرة لحماية الدين وهجرات نتيجة ضياع الدين .
" إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "صدق الله العظيم