06-11-2013 11:42 AM
بقلم : د .ظاهر الزواهرة
الصمت أجمل من الكلمات في زمن اللحن والفوضى ، حيث يكون الدم في أقلامنا حبرا ، يخط به العابثون في تاريخ أمتنا ، وقصتنا في العشق المقدس والغرام ، إني أحبّ الصمت ، إني أحبّ الموت في ربوع ديرتنا إذا عدنا إلى سفوح القمح في حوران أو إربد .
من أنت ؟ تنصفني ، وتظلمني جيوش الروم في مؤتة ، بأني أرسم الأحرف وأمزجها بحبي إلى الضاد ، وكل رموز قصتنا خطوط تدل على ملامحنا من التعب ، وعشق الأرض والعرض ، فهل أجرمت حين جعلت قافيتي صورة الأقصى وحطين ؟ هل أجرمت يا يحيى بأن أحيا على حبّ الشعر والكتب ؟ وهل كفرت حين رسمت خارطة لبلاد العرب أوطاني من سبتة إلى اليمن ؟
من أنت تأتيني وتعذلني ؟ فإن العذل في قانون الحبّ مرفوض لدى العشاق ، غير أن العشق في بلاد البحر إرهاب مخاطرة على الأسماك والحيتان والضفدع ! فلا تأسّ على جرح لم يزل ينزف ؛ فإن الدم أرخص من كأس ليمون صنع بإتقان من أصباغ شنغهاي .
كنتُ أسمع ذكريات اليرموك في إربد صورا تمر على عيني شريطا ، من الهاشمية إلى الأردنية ، وكأنها زهرة لوز جذرها في المكتبة ، وساقها في كلية الآداب جسرٌ يعبر عليه سفراء السِفر والقلم .
في الليل ألف قصيدة تأتي إليّ وتحضنني ، وألف عدو يتربص بي ويغدرني ، وألف جاسوس ينام معي ويغني : الليل يا ريتا في الحبّ يجمعنا ؟
قد كنت قبل اليوم ، وقبل العيد لم أكتب على قبري أي رسالة للعابرين إلى البترا أو شط الجنوب في العقبة سوى وجعي ، وقد كثرت الأوجاع مما رأيت على شاشة التلفاز من صور تبث ، وكيف يموت الطفل يبكي على أمٍّ بُقرتْ أو اغتصبت ، والشمس في كبد السماء كدرهم ٍ فضة !
حتى أتيتَ يا حسام تفزعني ، وتوقظ فيّ الدمع والضحكات لعلي بعد عناء اليوم أبتسم ُ !
لقد أبكيتني يا حسام حين ذكّرتني بأيام الشباب الذي ولّى ، وخفتُ من البياض الذي غزا لُـمتي ، بأن الموت يناديني قبل أن أكتب قصيدتي في العشق للأرض التي شربنا حبّها قدسا وتضحية !
وتسألني بأيّ قلم أنا أكتب ؟! وأنت أدرى الناس في وجعي ، وفي حبي وفي وعشقي ، وفي صورة الذكرى وفي ألمي ، وفي قصيدتي التي سُرقت ، وفي ريتا التي جاءت إلى حلمي ، ونازعتني الأرض التي أهوى ، ونامت في سرير الصِّبا ظلما !
وأخذت كل أشجاري من حديقتي الكبرى ، وأخذت كل أحجاري التي بنيت بها داري ، وانتحلت كل أشعاري ، وسلبت دمية الأطفال ، وزرعت ربوع الورد ألغاما ، ونحن رفعنا فوق كل زاوية شعارات وأعلاما .
وتسألني عن الأيام والأحلام ؟ وكيف تسرّب النفط إلى دمنا ، ونمنا نرسم الأبراج إلى أعلى ، وقلنا تحت تأثير الخمور للعائدين من الموت لا أهلا ولا سهلا !
من أنت يا إربدي اللون كي تدخل إلى قلبي ؟ وتكشف عن جزيرة الحزن التي أحمل ؟ وكيف خانت حبيبتي السر والأملَ ؟
وعرفتُ أنك تعشق رسم كلماتي ، وتلك أمانة كبرى ، زادت بصيحاتي وصرخاتي ، وخفتُ ، فمسؤوليتي تكبر ، وجراح أمتي تكبر ، وقصيدتي اغتيلت قبل العيد أو أكثر ، ولم يبقَ سوى قلمي ، ونصف أوراقي معاناتي !
وتسألني بأي عقل أفكر ؟ وكيف استحضر الكلمات ؟ وهل فكري بغير النهر أشغله ؟ إذا تلاقى النهر والنهر ، وتلك أسعد اللحظات ، ونقتل ما زرعته الخنازير ، لا شرقا ولا غربا ، ونهدم جدار الفصل ، ونطفئ نارها الحربا ، وتصبح حكايتي زهرة في جبال السلط والزرقاء ، وأنشدها لكم طربا .