09-11-2013 09:29 AM
بقلم : أحمد محمود سعيد
يجب ان تعيش في الاردن كثيرا لكي تتعلّم كيف ان تكون او لا تكون داخل االدائرة الصغيرة التي تشكّل النواة او ان تكون خارج هذه النواة وتسبح داخل الدائرة الكبيرة ولكن من أجل ذلك يجب ان تختار في وقت مبكّر من شبابك أين تريد ان تكون لأن بينهما تعيش محتارا ومهموما وخارجهما تكون محسودا أومذموما وقد يكون لك وضع خاص خارج الكون كأن تكون شيخا متزمّتا قي صومعته او ثائرا مجاهدا لا تعرف الحدود او شريدا لا يظهر الا في الليل او مريضا عليلا لا سمح الله ليس له اهتمام غير صحّته او رومنسيا يقضيها في أحلام اليقظة .
بعد الأربعين من العمر عرفت انني كنت مخطئا لأنني لم اختار اي طريق سأسلك هل أكون أو لا أكون وكنت اؤمن بأن الحب له منبع واحد هو القلب وان الارادة لها محفّز واحد هو العقل وأن الإخلاص له هدف واحد هو الوطن الذي نعيش به وان التعامل مع الناس له مقياس واحد هو الضمير وأن الايمان والتسليم بالقضاء والقدر هوللواحد الاحد الله .
وهكذا عندما كنت في كنف الوالد رحمه الله حتّى وإن لم يكن بيننا احايين كثيرة كنت فقط اشعر بألأمان وعندما كنت انظر في عيني أمّي كنت دائما اشعر بالحنان وعندما كان الملك حسين رحمه الله يمسح على رأسي وأنا طفل عند زيارته لمدرستنا كنت اشعر بالحب الحقيقي له وحتّى عندما توقف بدّراجته النارية مرّة وأنا ادرس مع زملائي وسئلنا عن استعدادنا لامتحان الاعداديّة ادركت وزملائي حبنا الحقيقي لجلالته وحينها لم اكن مثقفا في السياسة ولكنّه حب من القلب وكأنني كنت مدركا في صغري ان كل من يكون في قلبه حب لشعبه لا يمكن له إلاّ ان يعمل لإسعاده .
وعندما انتقلت لأكمل مدرستي في عمان حيث انتقلت من الضفّة الغربية قبل ان سلبها اليهود بخمس سنوات كان الاستاذ البياري هو القدوة لي لانني كنت اعتقد ان كمال الاخلاق والتربية والتعليم هو لدى الاستاذ حتّى انني لم اكن اهتم حينها ان الضفة الغربية كانت جزءا من بلد يسمى فلسطين مع اني كنت اعرف ان ابي وامي مولودان في ارض فلسطين بلد البرتقال وكذلك كنت لا ادري ان صاحب البيت الذي نسكنه في عمان هو من مواليد شرق الاردن حيث هذا لم يكن يعنينا في شيئ فاخلاص والدي رحمه الله كان للاردن وقيادته ونحن نتبعه دون تردد ولم اكن حينها سمعت ان اي إخلاص له ثمن ومردود وكان ايلول عندما انهيت الثانويّة وقدّمت اخر امتحانين تحت ازيز الرصاص واخذت شهادة التوجيهي وقصدت سورية على اساس ان هناك واسطة لكي ادخل لدراسة الطب ولكن الواسطة كانت تبخّرت لتغيّر الظروف وحينها اصبحت اعرف قليلا في السياسة حبث كان الزملاء في الجامعة يقولون هذا بعثي وهذا شيوعي وهذا مخابرات وهذا فتحاوي ولكن مبادئي في الحب والاخلاص ونقاء الضمير لم تتغير حتّى بعد ان رفضت المخابرات الاردنيّة تجديد جواز سفري بحجّة تشابه اسماء إلاّ بعد تدخّل والدي مع اصدقاء له في المخابرات وعندها ادركت الفرق ان يكون الاردني من اب وجدْ شرق اردنيين ام فلسطينيين وعندها سألت نفسي وماذا يريد النظام غير الإخلاص للأردن ارضا ونظاما وذلك بعد ان تكرر مهاجمة والدي بالقنابل لإخلاصه للاردن وقيادته وبقيت على مبادئي حتّى تخرّجت وعدت لبلدي وسافرت للعمل في الخارج رأسا ولكن عندما عدت بعد عام فقط وعملت لعدّة سنوات في الاردن وسألت عن اصدقاء الدراسة في الجامعة وجدت ان منهم من اشتغل مع الحكومة او مع الامن العام ومنهم من انخرط في النقابات بل ومنهم من اصبح نائبا او وزيرا وكانت هذه مفارقة غريبة ليس للاماكن التي يعملون بها فكلها من مكوّنات الوطن الذي اعشق ولكن لأن الكثير من هؤلاء كانوا في الجامعة يتصدّرون ما كان يُقال لهم التيار الوطني او القومي او المنظمات الفدائية او الهيئات الادارية للاتحادات الطلاّبية وعندما استغربت سرعة اندماجهم مع النظام سمعت من البعض ان هؤلاء كانوا مجنّدون مع المخابرات وهم يجنون الان اجرة عملهم كونهم كانو بوجهين يخدعون زملائهم بصداقات زائفة وعلاقات مضلّلة ويرسلو تقاريرهم للجهات التي يعملون معها .
واستغربت في نفسي كيف ان اولئك الطلبة وهم في عمر اقل من عشرين عاما يقبلوا الخوض في اعمال تخص من هم اكبر عمرا منهم وهكذا عندما بلغت الاربعين بتُّ متأكدا ان سياسة النظام في الاردن وهي مكافئة المعارض ولو لمرّة واحدة ومكافئة العامل في الاجهزة الامنيّة لعدّة مرّات وهذه السياسة هي التي تشجّع الشباب وهم في مقتبل شبابهم القبول بالإنخراط في اعمال يجنون منها ما تيسّر من مال ولو تطلّب ذلك التجسّس على زملائهم وشركائهم في السكن وخلافه ونقل اي اخبار او حركات حتّى وإن كانت كذبا المهم يسجّلون لأنفسهم نقاطا يستفيدون منها مستقبلا وخاصّة حين يحين موعد المكافأة لهم وقد فهمت لا حقا نصيحة كررها مرارا والدي علي في السنة الجامعية الاولى وهي يا بني ابتعد عن القمار والنسوان والسياسة وعندما كنت اسأله لماذا كان يقول لي لانها شرور ثلاثة لا يمكن ان تتخلّص منها او من اثارها إلاّ بعد ازمان طويلة وكان يوصيني دائما لنكن جميعا اردنيون من اجل الاردن وفلسطينيون من اجل فلسطين ومات رحمه الله على ذلك .
ولذلك على الشاب في الاردن ان يحدد قراره وهو يجب ان يكون او لا يكون وهذا لا يمنع ان يعتلي القليل من المواطنين السلّم ليدخل الدائرة الصغيرة ليصل عن طريق جهد ملحوظ او فرصة يغتنمها او ثراء من عمل حلال في القطاع الخاص او ظرف احسن استغلاله بالحلال او فاسد جمع مالا وعدّده او عن طريق وراثة المنصب او ردُّ جميل لاب او اخ اوجدّ او عن طريق سهرات اومعارف عائلية او تجمعات معيّنة او خلافه ولكن في الحالات العاديّة يجب ان يكون قرارك منذ الصغر ان تكون وإن لم يكن ذلك قرارك ولم تكن ضمن الاستثنائات المذكورة سابقا فتأكّد ان فلوسك مهما زادت وعلومك مهما علت ومبادراتك مهما اثمرت فلن ولن تكون بل وقد لا تسنح لك الفرصة بالحج وعندما ترحل لن تكتب الحكومة عنك شيئا .
وحيث ان السياسة الاردنية العليا بقيت ثابتة في مكافئة المعارضين فيجب على الشباب تحديد هدفهم ان يكونوا لينعموا بنعيم الدنيا او ان لا يكونوا فيتحملوا جحيم الدنيا على امل ان ينعموا بثواب الآخرة والله اعلم.
حمى الله الاردن ارضا وشعبا وقيادة وسدّد خطى الحكومة لمنح المكافئات والنعم لمستحقيها من المخلصين للبلد وقيادته مع ان رضى رب العالمين عليهم لإخلاصهم كفاية .