بقلم :
أحداث كثيرة تضرب مجتمعنا، بينما نتوقف عندها كخبر صحافي أو جريمة مخيفة لا أكثر، من دون أن نشكل لجاناً لدراسة الحالة ومسبباتها. التغيرات التي أصابت المجتمع، سوف تؤدي إلى زيادة في عدد الجرائم، لصعوبة ظروف الحياة والمشاكل الاجتماعية التي بدأت تنخر في الأسر. إلا أن المتوقعين والمراقبين ظنوا أنها ستنحصر في عمليات سرقة وسطو واغتصاب وتكرار لحالات الولادة غير الشرعية، غير أن الجريمة قفزت عن كل هذه التوقعات، ودخلت في منحى خطير جداً. فالجرائم التي حدثت هذا العام في الأردن، تقرع جرس الخطر بسبب نوعية علاقة القاتل بالمقتول. فقد صارت ولادة السفاح تنطبع بوحشية غير مسبوقة، بحيث لا تندم الفتاة على فعلة الزنا، بل تزيد من خطيئتها بوضع الطفل البريء بجانب الحاوية، أو بين بيوت تقع في صحراء مفتوحة، كما حدث خلال الأسبوع الماضي، عندما عُثر على طفلة رضيعة بحالة يرثى لها، ولولا رحمة الله لكانت وجبة للكلاب الضالة، التي قد تكون رأتها وأشفقت عليها أكثر من أمها التي رمتها! عندما تفقد الأم أهم مشاعر الحياة الإنسانية، وهي الأمومة، فماذا نتوقع من قاتل أو لص؟ هذه الجرائم التي حدثت لعالم الطفولة كان يجب أن تستنفر كل المساجد والجماعات والإعلام المرئي والمسموع، لأنها شرخت أقدس وأنبل القيم في المجتمع. أما العنف الأسري فقد وصل درجة مخيفة جداً، فهذه زوجة تقتل زوجها بالسم، وذاك شاب يصطحب أخته إلى البحر الميت لشكّه في بعض تصرفاتها، ومن ثم يخنقها بدم بارد وهو يطلب منها أن تنطق الشهادة، قافزاً عن كل مشاعر الرحمة بين الأشقاء، ومتناسياً أن من طلب الشهادة له، وهو الله عزّ وجل، حرم قتل النفس بغير عذر شرعي ومن دون حكم القاضي الفقيه. وقبلها حدثت جريمة أسرية في غاية القسوة، حين أقدمت فتاة، وهي طالبة في كلية، أي ليست مجرمة أو خريجة سجون، على إعدام أسرتها بعد أن وضعت كمية من السموم في أكواب العصير، انتقاماً منهم لاتهامها بأخذ مبلغ ثلاثين ديناراً من دون إخبارهم. هذا يعني أن الجريمة لم تعد حكراً على أصحاب السوابق، بل صارت تقع من أكثر الناس قرباً في البيت. قد نفسر الأمر بأنه ردة فعل على قسوة تعرضت لها الفتاة، جعلتها في حالة انهيار عصبي جراء ضربها وجرح كرامتها، إلا أن كثيرات يمكن أن يكنّ قد تعرضن من قبل لمثل هذا، لكنهن لم يفكرن يوماً بقتل أسرهن أو آبائهن. هل يقودنا هذا لأن نتنبأ بتسرب القتل كحل للخلافات الأسرية؟ قد تكون الفتاة اضطهدت وتعرضت للعنف الأسري، ولم تحسب نتيجة فعلها، لكن في كل الأحوال، كان القتل فكرة موجودة في عقلها الباطني، حتى لأقرب الناس لها. بغض النظر عن النتيجة، فإن التربويين والدعاة والمنظمات الاجتماعية، يجب أن يتنبهوا إلى واقع الأسرة، فيتم الوصول إلى الفتيات لتحذيرهن من عواقب الاختلاط وممارسة الزنا، ثم السعي إلى توفير حماية للقطاء، ومحاولة إنشاء مؤسسات للعناية بمن يحملن سفاحاً، لضمان مستقبل الطفل، وقد تتمكن هذه المؤسسات من تزويج هؤلاء الفتيات قبل أن ينكشف حالهن، وهذا أفضل من الانشغال بالشكليات الأسرية. إن كثيرا مما يعرض في الأفلام، وحتى في الألعاب الالكترونية، جعل الموت أمراً للتسلية، من دون أن ننتبه أن هذا يجعل من القتل وسيلة للتخلص من الآخر أو معاقبته والانتقام منه. قد لا يدرك المشاهد أن ما يشاهده في الفيلم سيحصل معه في الواقع، لكن كثرة العنف المعروض على الشاشات يؤثر سلبياً على واقع أطفالنا وقد يجعلهم قتلة في المستقبل إن لم ننتبه. نحتاج إلى تفعيل مؤسسات تربوية واجتماعية تحد من العنف في مجتمعنا، بعد أن لم يعد كل قاتل مجرماً لاحت له الفرصة للتفريغ عن العنف المزروع في داخله، فقد يكون ضحية للحظة عنف، أو نتيجة لانفجار ناتج عن ضغط الأسرة.
Omar_shaheen78@yahoo.com