11-11-2013 12:10 PM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
في عالم اليوم ، لم تعد النظرة للسياحة هي ذاتها كما كانت سابقا، حتى في دول العالم الثالث أصبحت مكونا رئيسيا من مكونات الاقتصاد الوطني، بل أن أهميتها فاقت قطاعات أخرى كالصناعة والخدمات لدى بعض الدول التي تملك ميزة مطلقة في المنتج السياحي، ودخلت مفاهيم جديدة كالسياحة العلاجية والسياحة البيئية والسياحة الدينية، والسياحة التأملية، ولم يعد دور الجهات الرسمية المشرفة على هذا القطاع تنحصر فقط في منح الترخيص لهذا الفندق أو ذاك المربع الليلي، أو مشرب بيع الخمور، أو مقهى للنارجيلة والقهوة، بل أنها تعدت هذا الأمر لتصبح من صناع السياسة الاقتصادية للدولة حتى تساهم في رفع الناتج القومي الإجمالي، فأصبحت السياحة والنظرة إليها في العقل الرسمي لتلك الدول أمرا سيادياً لا يقل أهمية عن سياسة الدولة الخارجية وأمنها الوطني.
وبنظرة بسيطة على النموذج المعجزة "دبي" الأمارة الصغيرة، وللمناسبة ذات الإمكانيات النفطية المحدودة قياسا على بقية أقطار الخليج، فالثروة النفطية هي في الأصل لدى أمارة ابوظبي، ولكن دبي حققت في عام 2012 ما يقارب 10.6 مليار دولار من السياحة وتفوقت على اسطنبول بكل ما تعنيه اسطنبول وفرادة طبيعتها السياحية من معنى، حينما يجتمع سحر الشرق والعراقة مع مدنية الغرب وتقدمه في مدينة واحدة، ومع ذلك شكل دخلها ما يقارب 10.2 دولار؟ّ!! أي اقل من دخل دبي من الناحية السياحية!!.
في الإحصائيات الرسمية أن 8.9 مليون زائر دخلوا دبي، وأنفقوا ما يقارب 4.6 بليون دولار في عام 2012، في حين أن الأردن استقبل 7 مليون سائح، انفقوا ما يقارب 3 مليار، وأنا هنا أسوق هذه المعلومة للتذكير بأن دبي لا تملك أي ميزة مطلقة من الناحية السياحية، قياسا على الأردن، ، ألا أنها استطاعت أن تخلق لنفسها ميزة مطلقة فيما يسمى بسياحة الخدمات.
في الأردن البلد الأقرب لفلسطين مهد الأنبياء وموطن الرسالات، الذي يحتوي على مساحته المتواضعة، المنتجات السياحية بكل تنوعاتها، فالديني كالمغطس، وجبل نيبو، وما يمثلنه للمسيحيين في العالم من قدسية ومهابة اعتمد ضمن مسار الحج المسيحي، وكذلك أضرحة ومزارات الصحابة المسلمين في مختلف مناطق المملكة ولا سيما منطقة المزار الجنوبي في الكرك حيث يتوافد المسلمون من كافة بقاع الأرض لزيارة الأضرحة ولاسيما من يتبرك منهم بال بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالإضافة للبتراء أحدى عجائب الدنيا السبع، والبحر الميت المتفرد في العالم من ناحية موقعه الجغرافي حينما تغادر ثلوج عمان وعلى بعد نصف ساعة تدخل في طقس دافئ ومشمس.
للأردن فرصة ذهبية في استغلال السياحة الدينية بشكل عام، أذا ما أحسنت الحكومات قراءة هذه الفرصة، وان كانت الحكومات أنجزت في موضوع السياحة الدينية المسيحية ما يستحق الثناء، ألا أن القلق والتردد هو السائد في موضوع السياحة الدينية الإسلامية ، وتحديدا في منطقة المزار الجنوبي، ولعل الأمانة هنا تستدعي أن نشير بان حالة من التجييش الشعبي التي سيطرت على تفكير جزءً من الناس بفعل الظروف السائدة في المنطقة، خوفا من أن تكون الزيارات الدينية والسياحة الدينية، مدخلا للمس بعقيدة الناس وإيمانهم ومذهبهم، وهو أمر مبالغ فيه في تقديري، فلم تسجل حالة واحدة في تاريخ هذه المنطقة تشير لذلك، وربما تكون بعض الهواجس مبررة، ولكنها لا تستند إلى دليل موثوق، فلا يعقل أن نستدعي خلافا مذهبيا عمره أكثر من ألف وأربعمائة عام، للحيلولة دون أن نستثمر في حقل مهم يعزز من الاقتصاد الوطني بشكل عام وفي تنمية المنطقة بشكل خاص، فالملايين يذهبون في رحلة الحج الإسلامي للديار المقدسة كل عام، يمثلون الإسلام بكل مذاهبه وطوائفه ومعتقدات أهله، ولم يغير الناس هناك من قناعاتهم الإيمانية ، وبالتالي لا داعي للخوف والقلق والتردد، فالمسألة هي إيمان الإنسان ذاته وقوته.
لا بد من قراءة هذا الأمر بمسؤولية تعلي من المصلحة الوطنية، وبعيدا عن العواطف والقلق والخوف الذي لا يستند إلى حقائق دامغة، ولا بد أن يكون للسياحة في العقل المركزي للدولة وحكوماتها المتعاقبة، والمؤسسات التشريعية، أهمية استثنائية في برامج عمل الحكومات، وان لا تكون وزارة السياحة- مع كل التقدير لمن تعاقب على حملها- مجرد حقيبة ترضية، فالأصل أن تكون أهميتها بحجم كل الوزارات السيادية.