15-11-2013 10:35 PM
سرايا - سرايا - لم يشك عصام، ولو لوهلة واحدة، بأن الحاجز العسكري الذي أمامه ليس عسكريا.. وأن العناصر الذين يرتدون البزة الرسمية للجيش السوري ليسوا ضباطا ولا حتى عساكر.. فتوقف بثقة ليتم تهديده بالقتل، أو تسليم كل ما يملك.
يقول عصام (38 عاما) لموقع سكاي نيوز عربية "كنت عائدا من بانياس بالميكرو (حافلة صغيرة) الذي أعمل عليه عندما استوقفنا الحاجز الأمني.. نحن نتعاون جدا مع الأمن لنضع حدا للمسلحين.. لكن عندما أوقفوا الميكرو، بادروا بالهجوم عليّ، وعلى الركاب وقاموا بتشليحنا، أموالنا وهواتفنا النقالة والميكرو، حتى حقائب النساء، تحت التهديد بالقتل، ومن ثم ركبوا السيارات وغادروا".
وتسمى عملية السرقة تحت تهديد السلاح في محافظة اللاذقية التي تعتبر من المحافظات الهادئة والآمنة بـ "التشليح" وفقا لعصام.
ويضيف "لم أتوقع أن يحدث هذا معي.. الميكرو ليس ملكا لي.. وهو مصدر رزقي الوحيد.. لكن لا أتوقف عن شكر الله أنني بقيت على قيد الحياة.. فهؤلاء المشلحين لن يتورعوا عن قتلنا بحال اعترضنا.. منذ أيام قليلة قتل حارس أمام عمله.. كان فقيرا جدا.. تيتم أطفاله الـ4".
سيارات بلا لوحات أرقام
وتجري بعض حوادث عمليات التشليح في وضح النهار، بينما يحدث أغلبها ليلا مستغلا العتمة، وخلو أغلب الطرق من المارة حينا، ومن الإضاءة في أحيان أخرى.
أغلب عمليات التشليح في ريف اللاذقية تحدث ليلا
أبو أحمد كان في طريقه إلى منزله ليلا برفقة زوجته وطفليه عندما اعترضت طريقه سيارة سوداء لا تحمل لوحة أرقام، وخرج منها مسلحون هددوه بالقتل في حال لم يسلمهم كل ما يملك من نقود ومجوهرات ذهبية، وحتى السيارة التي يركبها.
لم يتردد أبو أحمد، من منطقة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية، في تسليمهم ما يريدون، وقال لموقعنا: "سلمتهم كل ما طلبوه دون أن أنبس بأي حرف.. قصص التشليح كثيرة.. كنت خائفا على أطفالي وزوجتي.. خائفا على أرواحنا، فكل أسبوع نسمع عن مقتل رجل أو امرأة في عمليات التشليح".
"منذ شهر ونصف قتل ابن عمي، وأصيب صديقه عندما رفضوا تسليم الموتور الذي كانوا يركبونه.." يضيف أبو أحمد الذي يسكن في إحدى قرى ريف المدينة الساحلية جبلة.
ويضيف أبو أحمد (57 عاما) لموقعنا "غالبا ما يركبون سيارات بدون لوحات أرقام".
التشليح ظاهرة قديمة
ولا تعتبر عملية التشليح بحديثة على المناطق الساحلية في سوريا، فهي كانت منتشرة بكثرة في التسيعينات وحتى بدايات الألفية، حين اختفت بسبب القبضة الأمنية القوية التي استهدفت هذه الجماعات في تلك الفترة.
هذا ما أكدته لموقعنا لميا (45 عاما) بقولها "كان التشليح موجودا من قبل.. أذكر تماما خوف أهلي بعد غياب الشمس من التنقل بين جبلة وقريتنا.. كنا في حال تأخرنا بالعودة نقضي الليلة لدى أقارب لنا".
وعن سبب عودة ظاهرة التشليح في الوقت الذي تنحدر فيه البلاد كل يوم أكثر وأكثر في أتون حرب طاحنة راح ضحيتها أكثر من 100 ألف شخص، تقول لميا "الأمن موجود وغير موجود.. أقصد وجوده ضعيف جدا ويكاد يكون معدوما أمام العائلات المتسلطة والقوية التي تحمي مثل هذه العمليات".
بدورها، صرحت الحكومة السورية في مواقع إعلامية، مقربة من السلطة، أن الجهات المختصة في مدينة اللاذقية "شددت من إجراءاتها الأمنية في المدينة وريفها، وكثفت دورياتها للقضاء على عصابات التشليح التي شكلت رعبا للمواطنين في الآونة الأخيرة، ومنعتهم من التحرك والتجول بعد مغيب الشمس في الطرق المقطوعة، أو على الأوتوستراد، وخاصة في قرى مدينتي جبلة والقرداحة".
عودة التشليح إلى طرقات محافظة اللاذقية إلى جانب عودة "التشبيح" بقوة إليها أيضا بعد غياب أكثر من 12 عاما، يجعل السكان يتسائلون عن حقيقة كون مدينتهم مكانا آمنا؟ ومنهم من اعتبر أن ضرورة مواجهة هؤلاء "المشلحين" أهم وأبدى من الحرب مع المسلحين، في وقت اعتبر آخرون أن وراء التشليح فقر مدقع تغرق فيه تلك المحافظة التي نأت تحت ضغط النزوح الداخلي الذي فاق حجمه مليون نازح من مناطق متأزمة عسكريا.