18-11-2013 09:24 AM
بقلم : جمال أيوب
إن حضور مؤتمر "جنيف 2" من عدمه يكاد يتحول إلى قضية إشكالية بحد ذاتها، تطغى على المواقف من القضايا الجوهرية للمؤتمر، حتى تكاد تتحول هذه المسألة الإجرائية إلى ما يشبه الـإ رهاب عند بعض أطراف المعارضة السورية ، ما يضع إشارات حول حجم المشاكل التي سيواجهها المؤتمر في حال انعقاده.
تتمثل العقبة الأساسية في عدم حسم موعد مؤتمر جنيف - 2 في غياب التوافق الإقليمي على عقده، إذ ترى دول الخليج العربية بنسب متفاوتة ان انعقاد المؤتمر الآن يعني ببساطة الدخول في تسوية مع الرئيس بشار ، وهذا ما تحاول تجنبه بشتى الطرق ، مراهنة في الوقت عينه أن دعماً عربياً ودولياً بالسلاح والمال للمعارضة السورية يمكن ان يقلب الموازين العسكرية على الأرض ويجعل الأسد يقبل بتسوية على طريقة الرئيس اليمني السابق علي صالح ، أي الخروج الآمن من السلطة ولعل هذه نقطة الخلاف الجوهرية التي تحول حتى الان دون موافقة السعودية على جنيف-2.
كيري يؤيد عقد المؤتمر في سياق اتفاق أوسع مع روسيا ينص على تدمير ترسانة سوريا من الأسلحة الكيميائية وربما التحضير لإتفاق أشمل يضمن تسوية للملف النووي الإيراني ليحدث نوع من الربط الموضوعي بين ملفات النزاع في المنطقة ورداً على موقف الرياض ، يحذر وزير الخارجية الروسي من أن استمرار الرهان على قلب النظام السوري بالقوة سينعكس سلباً على كل دول المنطقة ، وإذا كان كلام لافروف لا يحتاج الى إيضاح المقصود به، فإن زيارة رئيس الوزراء العراقي لواشنطن تبعث برسالة أوضح إلى الخيارات البديلة في حال استمرار الخلاف الاميركي - السعودي ، اذا حدث اختراق في العلاقات الأميركية - الإيرانية تدل الأحداث الجارية في المنطقة على ان لا شهية لأميركا لشن حروب جديدة ، وإن سوريا كشفت حدود القوة الأميركية في العالم ، أميركا وما يمكن أن تقدم عليه من الآن فصاعداً وما يمكن أن تحجم عنه.
ولا يبدو إن الإتهامات لأوباما بالضعف أوالتخاذل أو الإنعزالية أو الانهزام أو الهروب من الشرق الأوسط ، يمكن أن تغير في واقع كون الولايات المتحدة لم تعد وحدها في العالم ، وإن ثمة قوى أخرى إستعادت قوتها كروسيا وهي تبني قوتها مثل الصين ولم يعد النظام العالمي الجديد عالماً افتراضياً، بل صار عالماً واقعياً يترسخ أكثر فأكثر ، وفي عالم كهذا يصير العتب الخليجي على أوباما لأنه لم يستخدم القوة لإسقاط الاسد، كما أسقط سلفه بوش صدام حسين .
إن الإنخراط في الجهود الدولية من أجل تسهيل الحل السياسي في سوريا ، وذلك تجنباً لسيناريوات أسوأ ليس أقلها تفتيت المنطقة تماماً على أسس طائفية ومذهبية وعرقية حين إتفق الأمريكيون والروس على عقد مؤتمر "جنيف" ، لبحث مصير الأزمة السورية ، عدا ذلك فإنه تطورا له دلالات عدة فمن ناحية اعتبر اتفاق الطرفين على الفكرة بمثابة رسالة أعلنت ضمنا عن ترجيح كفة الحل السياسي وتراجع احتمالات نجاح الحل العسكري الذي ظل مطروحا خلال العامين الماضيين ، من ناحية ثانية فهو يعني أن إيران المتفاهمة مع روسيا و المتفاهمة مع الأمريكان ستكون ممثله في المؤتمر ، في ذات الوقت فإنه يعني أيضا تراجع الدور التركي والقطري ودخول اللاعبين الكبار إلى الحلبة بديلا عن مختلف الأطراف الأخرى ، على صعيد آخر فإن أسئلة كثيرة أصبحت مثارة حول تمثيل المعارضه في المؤتمر، وكذلك تمثيل نظام الرئيس الأسد ، الذي سيحضر المؤتمر ولن يغيب عنه ، ليس معلوما كم من الوقت سوف يستغرق مؤتمر جنيف ، علما بأن لافروف أشار إلى أنه قد يستمر عدة سنوات بسبب تعقد وتشابك موضوعات بحثه ، وبسبب البعد في المواقف بين المعارضة التي تصر على إستبعاد الرئيس الأسد وبين ممثلي النظام الذين يطالبون ببقائه في منصبه إلى نهاية فترة ولايته في العام القادم لكي تجري الإنتخابات بعد ذلك ومن خلالها يحدد الشعب السوري خياره بنفسه .
كذلك فإن الروس الذين استوعبوا درس ليبيا بعدما تجاهلهم الغرب بصورة مهينة في أعقاب تأييدهم لسقوط نظام القذافي ، ومن ثم اعتبروا أن وجودهم في سوريا وتمسكهم بنظام الأسد هو الرد المناسب على القوى الغربية الداعية إلى إسقاطه والراغبة في الاستفراد بالمنطقة .
يتداول دبلوماسيون مطلعون على سيناريوهين مطروحين : الأول فرض الحل السياسي في سوريا قريباً والحل الثاني ربطاً بالملف الإيراني ، يستند السيناريو الأول إلى رغبة الغرب بمحاربة المتطرفين في سوريا مع إيجاد عملية سياسية سورية كاملة ، من ضمنها حكومة بصلاحيات واسعة والتسليم ببقاء الرئيس بشار الأسد ومشاركته في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يقول أنصار هذا السيناريو أن العواصم الغربية سلمت بعدم القدرة على الإطاحة بالنظام ويستند أصحاب هذا الرأي إلى فرض الغرب على المعارضة السورية المشاركة في المؤتمر وإلا السير به بمن حضر ، أما السيناريو الثاني فيستند إلى الرفض السعودي للتسويات المطروحة دون ضمان حصة وافرة للمملكة ، ويبدو حتى الآن أن لا حصة للسعودية ، ما يعني مواصلة عرقلت أي تسوية تأتي على حساب الرياض ، إذا لا حل محسوماً بعد ، والتأجيل سيد الموقف بعد عقد اجتماع بروتوكلي شكلي مرتقب في "جنيف 2 " لا تكون له أي قيمة عملية ، فهل يستطيع الأميركيون الضغط على السعوديين لتأمين مباركتهم للتسوية ؟.
أصحاب هذا الرأي يقولون أن واشنطن تعتقد أنها قادرة على فرض ما تريد في الرياض تحت طائلة فتح ملفات حقوق الإنسان في ظل وضع داخلي سعودي حساس اليوم ، لكن الدبلوماسيين أنفسهم يؤكّدون أن السعودية قد تتمرد على الأميركيين لعلمها بضعف واشنطن الآن مع قدرة المملكة على استعمال ورقة النفط. بجميع الأحوال العرقلة تفرض التأجيل إلى مواعيد لاحقة في ظل تلاقي المتضررين السعوديين والصهاينة من التسويات المطروحة وقدرتهم على تأخير الحلول لا إجهاضها ، ما بين " جنيف النووي " و" جنيف 2 " خيوط متصلة ، فإذا أردنا أن نعرف ما سينتج الثاني يجب أن نعرف ماذا سيجري في الأول؟