19-11-2013 07:08 PM
سرايا - سرايا - قبل عام من الآن . كان هناك منزل يحتضن عائلة ويظلهم بالأمان تحت سقفه . جمعهم بالألفة والمحبة , لكن الحال لم يستمر طويلا ..فعلى حين غرة وبينما كانت تمارس العائلة حياتها الطبيعية باغتهم صاروخ غادر أردى ذلك المنزل كومة من الركام فوق رؤوس ساكنيه ..
استيقظت الأم لتجد نفسها في بلد آخر وبين أشخاص لا تعرفهم وحولها الأجهزة والمعدات الطبية الكافية لتخبرها بأنها لا زالت على قيد الحياة , وبسبب حالتها الصحية الحرجة لم تكن تعلم السيدة الفلسطينية آمنة حجازي (أم محمد) أن القدر اختطف منها فلذات أكبادها وشريك عمرها , فقد نسيت لوهلة ما حدث حتى تساءلت عن ذلك ليخبروها أن طفليها محمد وصهيب وزوجها فؤاد حجازي قد فارقوا الحياة , وجروح أطفالها الآخرين بين المتوسطة والبسيطة .
واختلطت دموع الألم بدموع الحزن والحسرة , تقول آمنة (46) عامًا أنها تمنت حينها الموت على أن أتقبل هذه الحقيقة المرة , وطلبتْ فورا أن تغادر المستشفى المصري لتطمئن على باقي أطفالها لكن وضعها الصحي لم يسمح بذلك , ولكنها لم يهدأ لها بال حتى استطاعت بعد تصميم منها التحدث إليهم رغم صعوبة حالتهم الصحية وتواجدهم في المستشفى.
وبين _فقد_ وفقد تروي أم محمد وجعها باستشهاد ابنها محمد (17عاما) في حرب الرصاص المصبوب واستشهاد طفلين آخرين لها محمد (4 أعوام) , وصهيب ( عامين) في الحرب الثانية ( عامود السحاب) بأن النصيب الأكبر للوجع كان لأطفال أبرياء ليس لهم أي ذنب, واصفة المشهد قائلة : " شفت صورة الهم صدفة وهما بيطلعوهم من الركام , كانوا بيلعبوا على بسكليت , شو ذنبهم الأطفال الصغار يموتوا بالطريقة البشعة هاي ".
وفي منزلهم الجديد الذي لملم ما بعثرته الطائرات الحربية من ذكريات منزل أسقطته دون رحمة فوق أصحابه والذي يقبع في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة, تحاول العائلة تناسي ما حدث ومواصلة حياتهم, يروي مصطفى الابن الأكبر للعائلة بأنه اضطر إلى إيقاف دراسته في الثانوية العامة , لكي يعيل أسرته بعد أن أصبح هو المعيل الوحيد لها بعد استشهاد والده وأخيه البكر. مصطفى الذي تم انتشاله من بين الأنقاض لا يغيب المشهد عن عينيه حتى بعد مرور عام على حدوثه , يتحدث عن فظاعة ما حدث قائلا : " ما توقعتش بيوم انو ممكن يصير فينا هيك , احنا مدنيين ملناش دعوة بحد ليش يستهدفونا هيك "؟
أما نور ابنة ال (18 عاما) وهي الابنة الأكبر للعائلة والتي أصيبت خلال القصف بكسور في العامود الفقري , بالكاد استطاعت الشفاء منها لكنها لم تشفى بعد من تلقي الصدمة التي أحلت بهم.
تروي نور عن تفاصيل حياة جديدة ينقصها الكثير من الفرح غاب عنهم بغياب والدهم وإخوتها الثلاثة قائلة :" بنحاول ننسى الي صار لكن الجرح بقلوبنا " .
لم تكن عائلة حجازي هي العائلة الوحيدة الذي تعرضت للقصف خلال الحرب وإنما هناك نماذج كثيرة لعائلات أخرى أصابها من الحظ وافر . وتبقى الآمال معلقة دائما على أن لا تتكرر هذه المأساة مرة أخرى وأن تسْلم العائلات والقطاع بأكمله من أي حرب جديدة .