21-11-2013 12:26 PM
بقلم : المحامي الدكتور صدام أبو عزام
باتت الجامعات مصدراَ للعنف والقلق للمجتمع الاردني ، مما أنهك الجسد المؤسسي للجامعات حتى غدى أحد المحددات والمؤثرات الرئيسة على نوعية مخرجات التعليم ، نصف قرن ويزيد من التعليم الجامعي في الأردن وتراكم الانجازات التي تحققت باتخاذ العديد من الخطوات الواسعة نحو تطوير التعليم كماً ونوعاً ، حتى أضحى التعليم مصدراً رئيساَ في عملية البناء الوطني وأحد الادوات المهمة في تعزيز عملية التنمية، بل لدرجة شكل أحد مكونات راس المال للاقتصاد الوطني، فضلاً عن انعكاساته على باقي نواحي حياة المواطن من تأهيل وتدريب وبناء مهارات وقدرات .
هذا النمو والتوسع مكّن الأردن من تحقيق مكانة مرموقة عالمياً وعلى مستوى المنطقة ، حيث نجحت الجامعات الاردنية - الى حد كبير - من تلبية حاجات الوطن والدول المجاورة من الكفاءات ورفد سوق العمل بالعديد من الخبرات ، بالإضافة الى الاقبال الاقليمي على الجامعات الاردنية ، وفتح العديد من التخصصات التي تلبي احتياجات السوق المحلي والاقليمي والتوجه نحو عقد شراكات أكاديمية مؤسسية مع العديد من الجامعات العالمية في مجالات التكنولوجيا والمعلوماتية والتقنية وغيرها بل وانخفضت نسب الأميه لتصل الى أدنى مستوياتها في تاريخ الاردن ( 7.3% ).
هذه المنجزات الوطنية بدأت بالانهيار التدريجي لعدم القدرة على ترسيخ تراكمات ايجابية واستقرار بيئات عمل مؤسسية تمكنها من البناء وتعظيم المنجز بدليل تنامي ظاهرة العنف الجامعي بشكل ملحوظ ومتسارع مما يؤكد الحاجة الماسة لوقفة حقيقية وصادقة لمراجعة شاملة للسياسات التعليمية والقوانين والتشريعات الناظمة للتعليم وسياسات القبول الجامعي بل والبناء المؤسسي لتلك الجامعات من حيث الاستقلال المالي والاداري والقدرة على القيام بالواجبات الموكلة اليها والخروج من حالة الترف الفكري في التعامل مع العنف الجامعي والتنظير والانتقال الى ابتكار وسائل جديده وغير تقليدية حتى بشخوص جدد يمتلكون المصداقية والموضوعية والحرفية العالية في تحديد اسباب حقيقة لتنامي تلك الظاهرة .
ومن جهة أخرى مراجعة مضمون وجوهر العملية التعليمة والحريات الطلابية في مرافق الجامعات على فرض وجودها وخلق بيئات جامعية صديقة لتنمية مواهب وقدرات الطلاب لتشكل بيئة فكرية وتنموية حاضنة لهؤلاء الطلاب لإخراجهم من حالة اللاوعي في الانخراط في العنف الجامعي الى حالة بناء جسور ومصدات فكرية من شأنها خلق ثقافة مناوئة للعنف الجامعي .
وفي الجانب الاحصائي الصادر عن المؤسسات المعنية خلال عشرة سنوات لغاية عام 2010 بلغ عدد المشاجرات الطلابية نحو ( 776) مشاجرة أي أن معدل المشاجرات الجامعية بلغ نحو ( 64) مشاجرة في العام، بمعنى أن هناك مشاجرة كل خمسة أيام ، وتشير ايضا الى أن ( 15% ) من الجرائم بمختلف انواعها التي وقعت في الاردن ارتكبها طلاب مع الاشارة الى ارتفاع نسبة الجرائم الواقعة على الانسان بشكل عام بمعدل ( 10% ) سنوياً لغاية عام 2009 وفقا لأرقام مديرية الامن العام، بعض هذه المشاجرات امتدت لعدة أيام في تطور لافت تم إستخدام الاسلحة النارية الاتوماتيكية والعادية والآلات الحادة وغيرها من وسائل التكسير والتخريب في مرافق الجامعة وتعطل العمل في بعض الجامعات وتوسع بعض هذه المشاجرات بصورة سريعة وواسعة خارج الحرم الجامعي بناء على أبعاد عشائرية ومناطقية، حتى ان المجتمع المحلي اصبح يضج ويشكو من تصدير المشاكل الجامعية الى تلك المجتمعات في حالة معكوسة علمياً تؤكد على تعطيل الدور التربوي والتعليمي لتلك الجامعات في حالة من فقدان الرسالة والهوية التعليمية .
وهنا لابد من التأكيد على أن مسألة العنف الجامعي لا يمكن حصر اسبابها وان أي عملية بحثية في محاولة تأصيل اسباب المشكلة تمهيداً لصياغة حلول يجب الاخذ بعين الاعتبار أن هناك مجموعة من العوامل والاسباب كان لها دور بطريق مباشر أو غير مباشر في الاسهام في توطين هذه الظاهرة في الجامعات ، الامر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار من قبل صانع القرار ، تنطلق هذه الاسباب من أسس وقواعد القبول في الجامعات وأن لا يتم حصر قبول أبناء المحافظة في الجامعة التي تقع في محافظتهم ، بل تنوع انخراط الطلبة في جامعات خارج مكان اقامته يبقيه في مرحلة تطور مستمر في المجتمع في محاولة التأثير والتأثير فيه ايجاباً ، مع التركيز على عدم قبول أعداد كبيرة من ذات العشيرة أو القبيلة أو المنطقة الجغرافية في ذات الجامعة كمحدد أولى للحد من تلك الظاهرة .
تطوير البيئة التشريعية الناظمة لعمل الجامعات ووزارة التعليم العالي وتحديد الاحتياج التشريعي بما يتفق مع البيئات الجامعية ومتطلبات العصر وضمان تمتع الجامعات بالاستقلال المالي والاداري الحقيقي باعتبارها ركيزة مؤسسات المجتمع المدني، مع تحصين تلك القوانين بنصوص تخول الجامعات تطوير واستحداث التعليمات التنفيذية بشكل مستمر من قبل مجالس الامناء فيها والكوادر الادارية الاكاديمية ايضا اولوية يجب وضع تصور شامل حيالها ، فضلاً الشروع في بناء وسائل تلاقي وتعارف للطلبة غير الوسائل التقليدية وفتح البيئات الجامعية امام المشاركة السياسية والفكرية وانخراط الطلاب في النشاط الحزبي ونشاطات مؤسسات المجتمع المدني مع التأكيد على مراجعة اليات ومناهج عمل اتحادات الطلبة والنظم الانتخابية فيها وتحديد الادوار والمسؤوليات وتوسيع الصلاحيات لها كأحد المحفزات على المشاركة . واعادة النظر بالسياسات والممارسات والتشريعات الناظمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني وضمان انخراطها وتوجيه برامجها للجامعات باعتبارها دعائم رئيسية وركائز وأحد أهم البدائل امام المجتمعات والحكومات للتخلي عن الانتماء الاولي والقلبي والعرقي والمناطقي .
يرافق ذلك نزاهة وشفافية في اختيار ادارات الجامعات واعادة النظر باليات وطرائق الاختيار التقليدية واستحداث وتبني انظمة مبنية على أسس موضوعية تمتاز بالشفافية والنزاهة والمنافسة تضمن وصول اصحاب الخبرات والكفايات والمؤهلات بعيداً عن أي مؤثرات خارجية والاستئناس بأفضل التجارب العالمية العريقة ، مع الاخذ بعين الاعتبار الانتخاب كأولوية في هذا المجال، وجزء من حالة تردي الوضع العام هو الكادر التدريسي الذي تشئ الاخبار بشكل متكرر عن عدم قيام الكادر التدريسي بواجباته العلمية وعدم اتباع معايير علمية في ادارة شؤون الطلبة بل تتم بناء على اسس التمييز او التدخل والواسطة والمحسوبية وغيرها، مع ضرورة تفعيل عمادة شؤون الطلبة واقسام الارشاد واستحداث اليات ووسائل متابعة مع الاهل غير تقليدية تضمن ابقاء الاهل في كافة المستجدات مع الطالب خلال مساره العلمي من حيث التحصيل العلمي والسلوك العام له خلال تواجده في مرفق الجامعة ، والبعد التمثيليات والافلام الديمقراطية المحصورة في نخبة معينة مختاره على اسس غير موضوعية .
وبناء برامج تطوعية ونشاطات اللامنهجية ة المعايير التالية من حيث : تخصيص الموازنات الكافية ، وتعميم الفائدة لأوسع شريحة من الطلاب ، وإدماج مؤسسات المجتمع المدني في العمل الطلابي، وضمان الديمومة والاستمرارية ، وتبني برامج عمل تطوعي تضمن انخراط الطلبة فيها ، وإعادة النظر في مناهج التربية الوطنية واساليب تدريسها . وبرامج تدريبية وتوعويه وتثقيفية نفسية وارشادية واجتماعية تناهض العنف الجامعي وتنبه بمخاطرة ، مع تمكين الطلبة من الاطلاع على انظمة التأديب والعقوبات والتشريعات الناظمة لعمل الجامعة والمرجعيات المؤسسية والادارية التي يمكن للطالب مراجعتها للتظلم من أي فعل او سلوك شكل تعدٍ على حقوقه ، مع ضرورة تفعيل وتسريع اجراءات التظلمات على أسس من العدالة والشفافية والمساواة .
وفي الجانب الموازي العمل على تنشئة أجيال في المدارس قائمة على تطوير مناهج التربية والتعليم المدرسية في المراحل الاساسية واعادة بنائها وتوجيهاها على الاسس الاخلاقية والقيم والسلوك الانساني الايجابي والقويم كنهج تربوية رئيسية لبناء وصقل شخصية الفرد من الصغر على ضوء ما تشهده المجتمعات الانسانية من تراجع القيم الأخلاقية والتفكك الاجتماعي وانتشار نسب الجرائم والعنف وغيرها من الظاهر السلبية .
أن الأون لوضع ظاهرة العنف الجامعي في الميزان بروح وطنية نقدية موضوعية بعيداً على البيروقراطية المؤسساتية تنطلق من خطة وطنية طموحة للسيطرة على هذه الظاهرة والبدء في معالجتها باعتبارها اولوية وطنية تستحق بل ويجب أن يتم لفت الانتباه على لها من أعلى المستويات ، وأن البعض الذي يحاول تخفيف حدة تأثير أو وجود الظاهرة في مصلحة أنية فردية لتأثيره على صانع القرار لم يعد يخفى على الجميع حالة التردي التي وصلت لها الجامعات بل وبات يلوح في الافق ردأت الفعل الاقليمية على مخرجات واعتماد بعض الجامعات بل والدارسين الاجانب في الجامعات الاردنية .