28-11-2013 06:53 PM
سرايا - سرايا - لا احد يقلل من مهنية و كفاءة وأخلاقيات الأطباء في قطاع غزة ، ولكنهم بشر في النهاية قد يصيبون وقد يخطئون فجل من لا يسهو والله وحده هو من لا يخطئ ، وقد يدخل إلى مهنتهم بعض حديثي التخرج عديمي الخبرة ، ومنهم أيضا أطباء كبار نزهاء أساءوا التقدير وتسببوا فيما لا يحمد عقباه .
أصبحت الأخطاء الطبية هاجسا يؤرق الكثير من الناس لدينا ، والحديث عنها يتكرر في اغلب الأماكن والمناسبات نظرا لتكرار حدوثها في الآونة الأخيرة ، فالجميع معرضون بأي لحظة ، سهوا أو عمدا, من طبيب أو جراح أو ممرض لخطأ طبي قد يرديهم قتلى أو يقعدهم عن الحركة أو يسبب لهم عاهة مستديمة وجراحا لا تندمل .
يؤكد الأستاذ صلاح عبد العاطي من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أن الأخطاء الطبية ، أمر موجود في جميع بلاد العالم ، وبنسبة مقبولة لا تتعدى ال 4 % ، وان جميع المؤسسات الحقوقية تستقبل شكاوى الأخطاء الطبية في قطاع غزة منذ قدوم السلطة الوطنية وحتى الآن ، وهي في تزايد مستمر .
وأوضح عبد العاطي أن قانون الصحة الفاعل في قطاع غزة يعطي الحقوق في متابعة الأخطاء الطبية إلى وزارة الصحة ، والتي بدورها يجب أن تستقبل الشكاوي المختلفة من المواطنين وتقوم بالتحقيق فيها وعند التأكد من وقوع الخطأ من قبل الطبيب محاسبته وتعويض المريض
وأضاف " إننا في الهيئة المستقلة نستقبل شكاوي من هذا النوع ونقوم بناء على تلك الشكاوي بمراسلة وزارة الصحة ، والتي غالبا ما تنفي وقوع الخطأ وتجيبنا إجابات نمطية "
لانا حجو ، إحدى ضحايا الأخطاء الطبية ، طبيب واحد أساء التشخيص ، فحول تلك الطفلة اليانعة إلى معاقة فاقدة لجميع حواسها ، تبدأ الحكاية عندما أصيبت لانا ذات الثلاثة أعوام عندما أصيبت بتشنجات ، وتقئ ، من ما دفع ذويها لنقلها إلى إحدى المستشفيات في قطاع غزة وبعد عدة أيام بدأت حرارتها بالارتفاع وبعد عمل الفحوصات اللازمة تبين إصابة لانا بالحمى الشوكية .
تكمل والدة لانا الحكاية فتقول في أول ثلاثة أيام من الذهاب إلى المستشفى تحسنت ابنتي قليلا ، ولكن في اليوم الرابع أصبحت حالها شديدة الصعوبة وفي تراجع ، مما أدى لفقدانها الذاكرة حيث لم تتعرف على احد منا ، ولم تستطع الكلام ولا المشي ، فكان أول رد فعل للطبيب بعد هذه الأعراض أن ابنتي سليمة وبصحة جيدة .
وتضيف حجو ، في اليوم الخامس وبعد إلحاحنا الشديد على الطبيب ، بان ابنتي صحتها في تراجع وأنها مريضة ، فقرر الطبيب تحويلها إلى مستشفى أخر لعمل تخطيط دماغ ، ولكن بعد أربع أيام ، وبعد المجادلات مع الطبيب قمنا بتحويلها إلى تلك المستشفى بعد يومين وليس أربعة .
وكانت الصدمة ، عندما علم الوالدان أن ما أصاب لانا هو جلطة في الجهة اليمنى من الدماغ ، فما كان منهم إلا تحويل لانا إلى مستشفى كابلون في إسرائيل فورا بصحبة جدتها .
وتكمل والدة لانا والدموع تملئ عينيها فور وصول لانا إلى هناك اتصل بنا الطبيب الفلسطيني ليخبرنا " انه كان من المفترض إعطاء الأطباء في غزة ابنتك المريضة مضاد للفيروسات خلال 24 ساعة وبأقصى سرعة ، إنها مصابة بفيروس هربس وقد اتلف خلايا المخ عندها " .
وتضيف قال لنا الطبيب باستهزاء " بعد انتشار الفيروس في دماغها وتدميره لمعظم الخلايا ، انتم ترسلون لنا الطفلة للعلاج دون أن تقوموا باتخاذ إجراءات العلاج الصحيح من فيروس خطير ، وعدم تشخيص الحالة بصورة صحيحة " .
حالة لانا الآن سيئة جدا ، فالفيروس انتقل للجهة الأخرى من دماغها ، ودمر ما تبقى من خلايا مخها يقول الأطباء أن لا أمل في شفائها ، يرفض الجميع إعطائها أي تحويلات إلى الخارج قائلين لوالدها حرفيا " روح للي خربها " وحتى الطبيب الذي اخطأ بتشخيص لانا يرفض إعطاء والديها أي تقرير لأنه قد يصبح دليل عليه ، لانا الآن لا تتقن الكلام وعندها تأخر في النمو العقلي والحركي وتقوم بحركات لا ارداية وعدوانية فمن المسؤول ؟!
يقول باسل حجو والد لانا " سافرت بابنتي إلى مصر على نفقتي الخاصة ، برغم وضعي الاقتصادي السيئ ولكني عدت إلى غزة بخفي حنين يائسا محبطا محمل بالهموم والأحزان ، أتمنى الموت وقد بدأت بأخذ علاج نفسي لما وقع على ابنتي وعلينا من ظلم ، أنا انظر لابنتي والدموع في عيني راجيا رحمة الله " .
ويضيف " ما زالت ابنتي تاخد العلاج : تجريتول ، وابر يوم بعد يوم ، وثلاث أنواع من الشراب لتنشيط الدماغ ، وسافرت إلى مصر أربع مرات بالدين ، فأصبحت مغرقا بالديون وأيضا اشتري العلاج من مصر ، مع أني عاطل عن العمل " .
من المؤكد أن غياب قانون ينظم العلاقة بين المريض والطبيب ، ويغطي الأخطاء الطبية ، هو السبب الرئيس الذي يقف خلف وجود تلك الأخطاء ، وتكرارها في الآونة الأخيرة ، بالإضافة إلى عدم فرض رقابة على المستشفيات لرصد حالات الأخطاء الطبية ، ولهذا لا يوجد أي إحصائيات دقيقة حول عدد الحالات والضحايا .
لا نريد أن نتناول هذا الملف الخطير بالتهويل أو التهوين ، ولكن علينا أن نعترف بأن لدينا مشكلة اسمها "أخطاء طبية " وحتى لو كان ضحاياها أعدادهم ليست بالكثيرة فان مواجهتها بما يلزم من تشريعات وإجراءات حازمة فريضة واجبنا جميعا .