04-12-2013 09:49 AM
بقلم : المحامي الدكتور صدام أبو عزام
استقرار البنى المؤسسية للسطات العامة في الدولة والتطور السريع واللافت في كافة مناحي حياة المواطن أدى الى تقليص بل وتحديد الادوار التقليدية التي كان يلعبها الحكام الاداريين في محافظات المملكة ، وبات من الملح والضروري البحث بجديه عن أدوار وإعادة صياغة الاهداف من جديد واستثمار هذه المؤسسات الوطنية والكفاءات لتنعكس ايجاباً على مشاريع التنمية في المحافظات والاسهام والانخراط فيها بشكل مباشر كأحد الدعائم المؤسسية لضمان الديمومة والاستمرار لها وانعكاس ذلك على الجانب التنموي الوطني بشكل عام، وتذليل كافة العقبات أمام أي مشروع تنموي والقيام بالدور الاجرائي وبعض الادوار الموضوعية حيال تلك المشاريع التنموية.
جلالة الملك في أحد اللقاءات كان قد وجه مباشرة الحكام الاداريين في سرعة التحول نحو الدور التنموي والنهوض بالعبء التنموي في كافة المحافظات، هذا الخطاب لم يكن عبثياً أو استكمال لدور بروتوكولي، إنما إدراكاً بأن الأدوار التقليدية التي كانت تمثل أساس وجود الحكام الاداريين والغاية من منحهم صلاحيات شبه واسعة لم تعد تجدي نفعاً بل وتلاشت أمام التطور المضطرد على حياة المواطن واستقرار البناء المؤسسي الذي مكن كل شخص من متابعة أي شأن خاص به لدى الجهة المرجعية دون المرور بأي حلقة وسيطة ، والدور الاجتماعي المتمثل في فض المنازعات في بعض المحافظات ذات الطابع العشائري أو غيرها حتى في باقي المحافظات أيضا أصبح كلاسيكياً لا يتوافق مع متطلبات العصر بل وبات يشكل تعارضاً حقيقياً مع استقلال السلطة القضائية وفي بعض الحالات تعدياً على اختصاصها.
في العديد من الدراسات والرسائل الجامعية التي ناقشت هذا الموضوع اشارت الى تأثر القرارات الصادرة عن الحكام الإداريين بالعوامل البيئية المحيطة بدرجة متوسطة حيث تبين أنهم يتأثرون بدرجات عالية بطبيعة التقاليد السائدة ورغبات رؤساءهم والمستوى الثقافي للمواطنين ضمن منطقة اختصاصهم. فضلاً عن تأثر القرارات الصادرة عنهم بالعوامل التنظيمية بدرجة متوسطة من خلال التقيد التام بالتشريعات السائدة، والمركزية الشديدة، وعدم تفويض الصلاحيات. واتباعهم وبدرجة متوسطة المراحل العلمية في اتخاذ القرارات والاشارة وبدرجة متوسطة أن الحكام الإداريين غالباً ما يحرصون على مدى استجابة رؤسائهم للقرارات التي يتخذونها، وكذلك يعتمدون على درجة الأمان في المحافظة على وظائفهم. هذه المؤشرات بحاجة الى دراسة عميقة بعيداً عن أي شخصنة بل بحاجة الى تحليل موضوعي علمي دقيق شامل في بداية نحو التحول للعب أدوار تنموية .
منطلق ذلك الحاجة الى اتباع خطط وطنية مبنية على احتياجات وطنية متعلقة في كل محافظة وقدرة الحاكم الاداري للعب دور الوسيط بين كافة شرائح المجتمع والوصول الى توافقات محلية حول اولويات العمل التنموي المقصود هنا ليس قصر هذا الجانب فقط على بعض المعارف والاصدقاء واختيار مجموعة من الاشخاص – كما هو الجاري عملاً – ممن لهم مصالح شخصية أو من غير المؤهلين للتصدي للحديث أو لبحث أي قضية تتعلق بالمحافظة ، أو للالتقاء بالمسؤولين الحكوميين مما أدى الى خلق ثقافة مجتمعية مناوئة لتلك الادوار بل وعدم الانخراط بها كلياً. بل الذهاب أبعد من كل ذلك في انتاج حالة ثقافية جديده تعيد الثقة بتلك الادوار وفي الخيارات الشخصية والعلمية في من لهم القدرة والكفاية والمؤهل بل والذهاب الى المواطن العادي في كافة البيئات والمناطق والاستماع اليه .
ويجب الانطلاق من نظرة للحق بالتنمية بعين من الجدية باعتباره اولوية وطنية ولم يعد ترفاً فكرياً أو مقتصراً على بعض الفعاليات واللقاءات الشكلية والتي لا تخرج عن إطار التنظير غير القابل للتنفيذ ، أن الاوان لبناء خطط تنفيذه عملية حيث أن وتيرة الاهتمام بالحق في التنمية تتزايد محليا واقليماً ودولياً باعتباره المخرج امام المجتمعات النامية في التغلب على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية منها، باعتباره جزء من منظومة حقوق الانسان بدءاً من إعلان الحق في التنمية عام 1986 والذي يؤكد على أن التنمية هي عملية شاملة تتناول الحقوق الاقتصادية والثقافية والسياسية وهي تهدف الى تحسين الظروف المعيشية للمجتمع ككل وللأفراد على السواء، ذلك على أساس المشاركة الناشطة والحرة والاساسية في التنمية وفي التوزيع العادل لمكتسباتها وهذا ذو علاقة وتماس مباشر بالحق بالعمل اللائق والحماية الاجتماعية ولاسيما للفقراء والمعوزين والعاطلين عن العمل وكبار السن وذوي الاعاقة وحقوق الاسرة وتحسين الظروف المعيشية عموما وتأمين وضمان أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه والحق في التعليم للجميع والحق في السكن والملبس والمأوى ويشمل ذلك الغذاء والماء وغيره من مستلزمات الحياة.
وعليه فأن الفهم الشمولي المبني على تقدير حقيقي لبنية المجتمع واولوياته ينبع من مشاركة حقيقية للمواطن، هذا الدور التنموي يمكن لعبه من الحكام الاداريين في كافة مناطق المملكة بقاعدة تعتبر المواطن شريك لا هدف لتلك البرامج، ومن خلال تمكين المجتمعات المحلية من صناعة مستقبلها وصياغته اهدافها بمختلف المجالات التنموية كالتخطيط الاستراتيجي وصياغة البرامج التنموية وتنفيذها وغيرها، مما يؤكد أن أهمية تبني الحكام الاداريين خطط تنفيذية وبرامج دورية في كافة مناحي المحافظة والاستماع الى كافة شرائح المجتمع والبدء بصياغة هذه المطالب على شكل خطط مع التأكيد على أهمية أن تشكل هذه المطالب أولويات عمل كافة المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والمجتمع المدني في تلك المحافظة.
ومن الادوار الممكن لعبها من الحكام الاداريين هي عملية الرصد والتوثيق والمراقبة لكافة الانشطة المنفذة في المحافظة لكن ليس الرقابة والرصد بالفهم التقليدي الذي يؤدي الى خلق اشكاليات وتعطيل مسار عمليات ومشاريع التنمية، وإنما بالشراكة مع كافة الجهات وبإدماج افضل الممارسات في هذا المجال مثال ذلك ادماج طلاب الجامعات وتبني برامج تطوعية على مستوى المحافظة وفي المشاريع الوطنية على مستوى الوطن وزيارة وتقديم الخدمات لدور المسنين ودور تربية ورعاية الاحداث وصيانة وترميم المرافق العامة وبرامج التوعية للمجتمع وتفعيل دور المجتمع المحلي في تلافي العنف المجتمعي والجامعي من خلال تشكيل لجان وساطة ولجان استشارية وغيرها من طرائق العمل، بل ويجب استخدام الصلاحيات الممنوحة للحكام الاداريين بموجب قانون منع الجرائم مثل الاقامة الجبرية والتوقيف الاداري والكفالات الى وضع برامج عقوبات بديلة من شأنها أن تؤدي الى إصلاح الشخص وتعود بالنفع على المجتمع وتشكيل فرق عمل ميدانية لصيانة المدارس والمرافق التعليمية وتشخيص مشاكلها والمساهمة في وضع البدائل. هذا المفهوم الجديد للرصد والرقابة هو بداية ونقطة الانطلاق ويشكل البديل والمتطلب السابق لأي جهد وطني في هذا المجال وخلع الادوار السلطوية والفوقية التي تشكل إعاقة حقيقية ولا تنعكس بالفائدة على المشاريع الوطنية وبالنتيجة على المواطن .
حتى من الممكن أن يتعدى هذا الدور ليصل الى المساهمة في تطوير الأُطر القانونية ذات العلاقة بعمليات ومؤسسات التنمية من خلال تطبيق النصوص الحالية وتبيان جوانب النقص والقصور والتعارض تمهيداً لاستقرار ممارسات تشكل أساساً لقواعد قانونية جديده صالحة للتطبيق وتقديم التوصيات المقترحات بشأنها من خلال مؤسسات المجتمع المدني أو أي طريق مؤسسي أخر، فضلاً عن تطوير الثقافة المجتمعية على أفضل الممارسات بشأن حرية الرأي والتعبير فيما يختلج صدور المواطنين حول العديد من الاسئلة على المتعلقة بإدارة الموارد التنموية في محافظتهم وأن يوفر الحكام الاداريين للمواطنين حرية الوصول الى المعلومات الصحيحة واطلاعهم على حيثيات وتفاصيل والاجراءات المتخذة حيال هذه المشاريع بدلاً من الاعتماد على الشائعات وتداولها وبالتالي تشكل صدمة مجتمعية تجاه الانخراط أو المساهمة في تلك المشاريع وفي حالات أخرى عرقلة سير أعمال تلك المشاريع، في حالة وعي حقيقية تؤدي بالمواطن والمؤسسات الى الانخراط في عمل وطني وبروح الفريق الواحد للخروج من العموميات والشروع بالبحث عن حلول وصياغة تخرج المواطن من حالة الازمة المعاشة مع المؤسسات والبيئة المحيطة ، وتطوير وسائل ومخاطبة جماهيرية في كل محافظة لنشر وتعميم هذه البرامج ، بل وادماج البرامج التعليمية والتثقيفية والتربوية ضمن اليات عملها لتشكل نواة في تحول دور المواطن من المشارك السلبي الى الايجابي.
فضلاً عن الدور الاصلاحي والدمج المجتمعي الذي يمكن عمله على ضوء انتشار ظاهرة العنف المجتمعي والجامعي وانحسار قيم الاخلاق والمواطنة والامانة وغيرها من الاخلاق النبيلة ، من خلال الشروع بحوارات محلية واسعة النطاق وادماج كافة أبناء المجتمع المحلي فيها وتشكيل لجان لمناقشة وتشخيص ظواهر العنف المجتمعي بل وتحديد أسبابها وأشخاصها حيث أن في المحافظات مجموعة من الاشخاص ممن اعتادوا الاجرام ويشاع أن هناك بعضهم يأخذ "الخاوات " من المحال التجارية، وتطوير برامج تطوعية ثقافية وعلمية من قيادات ونخب تلك المجتمعات نحو حالة جديده من إعادة التأهيل والدمج في المجتمع وتوجيه السلوك نحو القيم الاخلاقية، فضلاً عن التصدي لبعض الظواهر المجتمعية السلبية من بسطات على الأرصفة واغلاق الطرق العامة والاعتداء على الاثار والمرافق العامة ودور العبادة والمدارس والمرافق الصحية وشيوع الرذيلة والاعتداء على الآداب العامة والنظام العام، والمساهمة في خلق حالة جديده تجعل المواطن ينخرط في بناء وتطوير محافظته التي بالنتيجة تنعكس على وطنه ، واعتباره شريك وجزء من عملية البناء المستمر باتباع اقصى درجات الشفافية والوضوح دون أي مواربات أو بيروقراطيات مؤسسية، هذه الادوار وغيرها الكثير يمكن لعبها من قبل الحكام الاداريين لما يتمتعون به من صلاحيات وبنى مؤسسية تمتلك الكفاية والمؤهلات للبدء بمشروع وطني نهضوي منطلق من عقيدة وايمان بأن المصلحة العامة أولى بالعناية والرعاية من المصالح الخاصة الشخصية الضيقة .