05-12-2013 12:36 PM
بقلم : الدكتور محمد السنجلاوي
ثمَّة أحداث تقع داخل هذا الوطن، ترتدي حسب طبيعتها ومجرياتها وصنَّاعها، أردية مختلفة أشكالها، وألوانها، ومسمياتها: فبعضها ترتدي رداء "السَّذاجة"، وبعضها الآخر ترتدي رداء الألغاز، وتارة ترتدي لون الدم الفاقع، وتارة أخرى ترتدي رداء الغمِّ والهمّ، وصولاً إلى ذلك اللون الشفَّاف "الواضح الفاضح"، رغم قتامة ألوان خيطانه التي حيكت بعد غروب الشمس!!
مجموع ما سبق، يذكرنا بكاتبة الروايات البوليسية "أجاثا كريستي"، التي تجوَّلت في بلاد الشام، واستوحت عدداً من رواياتها من بيئة هذه البلاد، وغزلت "حبكتها" من أسرار ويلاتها المعجونة بخمرة أحزانها المعتَّقة.
نقول لو تجوَّلت تلك الكاتبة بهذا الوطن، وشاء القدر لها أن تلتقط عيناها، بعض ما تورده الصحف المحلية من عناوين: سطو مسلَّح على محل صرافة، عصابات سرقة السيارات تفاوض أصحابها، جندي من جنود الوطن يلقى حتفه على أيدي مجهولين، إختلاسات مليونية في بعض المؤسسات والدوائر الرسميَّة، سائق متهور يدهس طفلة ثم يلوذ بالفرار، جثة مجهولة الهوية ملقاة على أحد الأرصفة، شرطي يلقى حتفه وهو على رأس عمله في ظروف غامضة والمحقق يطوي القضية...
لو بالفعل التقطت عيناها تلك الحوادث وما شابهها، وغزلت لنا منها رواية بوليسية، فماذا يا ترى سيكون عنوان تلك الرواية؟
لا نظن بأن "أجاثا كريستي"، سوف تبخل على تلك الأمّ، التي شوهها – قبل عدة أيام – مجهولون ولاذوا بالفرار، لترقد بعد ذلك في أحد المستشفيات، وهي تهذي بقصة ولدها "الشرطي"، الذي غيَّبه الموت في ظروف "وصفت بالغامضة"، أثناء تأدية واجبه الوطني، والقاتل حسب الرواية الرسميّة هو القدر، وحسب رواية ذويه القاتل مجهول، لن تبخل عليها بتسمية روايتها بـــ ( لغز امرأة مشوّهة).
إن قصَّة "أم أحمد الصبيحي"، وقصة زوجها المهووس بحثاً عن الحقيقة، قد دكَّت معاقل جميع الصحف؛ فقد طاردا جميع المسؤولين من مكتبٍ إلى مكتب، ومن حفلٍ إلى حفل، ومن مؤتمرٍ إلى مؤتمر، ومن فندقٍ إلى فندق، ومن محافظةٍ إلى محافظة، وطرقا جميع الأبواب، لدرجة أن والد أحمد، كان يقوم بمغامرات هوليودية وبأزياء تنكرية؛ للوصول إلى جلالة الملك، حتى نجح أخيراً في الوصول إليه، مخترقاً الحرس الملكي؛ ليلقي برأسه على صدر جلالته، والعَبرات تخنق صَوته: يا سيدي لا أريد مالاً، ولا أريد جاهاً، ولا سيارة، ولا بيتاً، ولا وظيفة.. أريد فقط أن أعرف من قتل ولدي؟
ومن هنا فإننا نقول: إنه من حق والدي أحمد، ومن حق الصَّحافة والإعلام، ومن حق الشعب الأردني، ومن حقّنا جميعاً، أن نعرف أولئك الذين يقفون وراء عدم تنفيذ أوامر جلالة الملك بمعرفة قاتل (أحمد الصبيحي)، الذي كان يبلغ من العمر (19عاماً)، ولمّا يمضِ على زواجه شهر واحد.
إن حادث الإعتداء الأخير، الذي تعرّضت له والدة أحمد على أيدي "مجهولين"، جعلها تتساءل باكية: هل من شوّهني واعتدى عليّ، هو ذاته قاتل ولدي؟!
ولأننا علمنا بسؤالها المرّ، وأحسسنا بجمرته المتقدة، فإننا لا نملك سوى القول: التمسي لنا العذر يا أختاه؛ ليس لأننا جبناء، ولا لأن البحّة تحوّلت في أصواتنا إلى مشانق، ولا لأنَّ رجولتنا خنَّثتها سياط الجلاَّدين، ولا لأن شمسنا رقصت في الأفق مذبوحة على أيدي لصوص الغياب والأفول، وليس لأننا نجهل هوية القاتل، بل لأننا بعد أن سئمنا من الوعود، وذبحتنا سيوف أسئلتك الحادّة، توجّهنا إلى جميع السَّحرة والمشعوذين، وإلى بطلة الميثولوجيا الإغريقية "عرَّافة دلفي" لنسألهم جميعاً: من قتل أحمد الصبيحي؟!
m.sanjalawi@yahoo.com