05-12-2013 12:45 PM
بقلم : فايز السعودي
سألني صديق قبل أيام، سيتقدّم ابنه إلى امتحان الثانويّة العامة في الدورة الشتوية: ماذا يحدث هذا العام بالنسبة إلى امتحان الثانويّة العامة؟ نسمع عن قرارات متعدّدة، بعضها يتعلّق بالإجراءات الأمنيّة، وبعضها يتمحور حول الورقة الامتحانيّة، وبعضها الآخر يختصّ بالإجراءات الإداريّة والرقابيّة. ألا يكفي ما نعانيه من قلق وتوتر وضغوط اجتماعيّة ونفسيّة قبل امتحان الثانويّة العامّة وبعده،إضافة إلى ما نعانية أصلاً؟ هل تمرّ دول المنطقة والعالم بما نمرّ به في مثل هذه الظروف والأحوال؟ ويضيف صديقي قائلاً ولسان حاله لا ينمّ عن ارتياح: أشعر بأنّ وزارة التربية والتعليم تشير من خلال إجراءاتها الآخيرة إلى أنّ المشكلة محصورة في الطلبة، وبذا نسيت أو تناست دور مراقبي الامتحان والقائمين عليه في تسهيل حصول الطلبة على إجابات الأسئلة. الحقّ أقول: لقد آثار حديث صديقي فيَّ شجونًا عدّة، ووضعني أمام واقع لا أستطيع معه أن ألتزم الصمت، أو أحتفظ بخبراتي ومعلوماتي حول الثانويّة العامة لنفسي؛ إذ إنني معني بهذا الأمر؛ خاصةً أنني كنت صاحب القرار الأول في وزارة التربية والتعليم، وأعلم تمامًا بأنّ امتحان الثانوية العامة مثل أيّ امتحان يتقدّم إليه الطلبة في المدارس، وهناك امتحانات أجنبيّة متعدّدة يقدّمها طلبة أردنيون يزيد عددهم على 6000 طالب وطالبة في أكثر من خمس وثلاثين مدرسة في المملكة، وهي امتحانات تجري من غير أن نسمع عنها أو تثير حولها ضجّة وتساؤلات. لقد تحدثنا كثيرًا عن امتحان الثانويّة العامّة، علمًا بأنّ الوزارة لم تدّخر أيّة جهود في سبيل إصلاحه؛ حيث أعدّت أوراق العمل، وعقدت الورش، ونفذت حلقات نقاش متعدّدة، ووزّعت استبانات على 5000 طالب وطالبة، وغير ذلك من الإجراءات التي نجم عنها تراكم معلومات كثيرة وأفكار عديدة خلال السنوات الأربع الماضية، إلى أن وُضع بديل لامتحان الثانويّة العامّة توافق عليه الطلبة وأولياء الأمور والمعلمون والتربويون والإعلاميون والعديد من فئات المجتمع في مؤتمر وطني عُقد لهذه الغاية في بداية عام 2012م، تناول الجوانب الإداريّة والفنيّة جميعها المتعلقة بهذا الامتحان، وتضمّن مجالاتٍ متكاملةً يبدأ الإعداد لها من مرحلة التعليم الأساسيّة انتقالاً إلى المرحلة الثانويّة. علمًا بأنه قد ثبت من خلال الخبرة المباشرة أنّ الإجراءاتِ الإداريّةَ والأمنيّة والشكليّة تزيد من الآثار السلبيّة التي ترافق عقد امتحان الثانويّة العامّة، ولا تحدّ منها أبدًا. وحتى أكون منصفًا، وقد كنت أقول ذلك حينما كنت وزيرًا للتربية والتعليم، فإنّ في امتحان الثانويّة العامّة بصورته الحاليّة ظلمًا كبيرًا للطلبة؛ لأنه يتناقض تمامًا معَ التوجّهات الحديثة لتطوير التعليم نحو اقتصاد المعرفة؛ حيث يركّز هذا التوجّه على أنّ المعرفة وسيلة للتعليم وليست غاية، وامتحان الثانويّة العامّة امتحان تحصيلي يركّز على قياس مدى امتلاك الطلبة المعرفة التي قدّمت إليهم في المدرسة، فالتحصيل هو الغاية؛ أي التركيز على حجم المعلومات التي خُزّنت في عقل الطلبة. علمًا بأنّ الطلبة حاليًّا يتمتعون بقدرات عقليّة جيّدة تطوّرت نتيجة ااستخدامهم وسائل تكنولوجيا المعلومات المُتاحة لهم. لذا، أرى أنّ الخطوة الأولى لإصلاح الثانويّة العامة تكمن في إعادة النظر في مضمون الامتحان، بحيث تركّز الأسئلة على الكفايات الأساسيّة التي امتلكها الطلبة في أثناء مرورهم بالخبرات التعلميّة في المرحلة الثانويّة وما قبلها، يلي ذلك تطوير الإجراءات الإداريّة المتعلقة بمدّة الامتحان وعدد الموادّ الدراسيّة التي يتقّدم بها الطلبة، وطبيعة الامتحان، وتعليمات إجرائه، وغيرها من الشؤون الإداريّة والتشريعيّة ذات العلاقة. وفي هذه السياق أقول جازمًا: إنّ الوزارة تعالج تأخّرها في تطوير الامتحان، الذي يحتاج إلى إرادة تربويّة حقيقيّة، بفرضها إجراءاتٍ إداريّةً ورقابيّة متعدّدة ومتشدّدة، وكان الأجدر بها دراسة الوثائق الموجودة في مخازنها وأدراجها، التي بُذل فيها جهد كبير ووقت طويل، وتتضمّن أفكارًا عمليّة وعلميّة لإصلاح الامتحان وبالسرعة الممكنة، وتُغني عن البدء من نقطة الصفر أو الاعتماد على قرارات وإجراءات لا تؤدّي إلى إنصاف الطلبة وتقويم ما تعلّموه على نحو عادل وصادق. استمع صديقي إلى حديثي جيّدًا، ثمّ أردف قائلاً: والله إنني لآمل ألا يتقدّم ابني إلى امتحان الثانويّة العامة هذا العام؛ فالأمور قد تعقدت، والحابل اختلط بالنابل، وكأننا ندور في دوّامة من الحيرة، تحيط بنا التساؤلات من كلّ جانب، حتى إنّ المعلمين لم يسلموا من ذلك؛ إذ هم يجهلون كيف يؤدّون دورهم في ظلّ المستجدّات الحاليّة. وما إنْ أنهى صديقي حديثه حتى ابتسمت مجاملاً، غير أنني أخفيت في داخلي حيرة قد تكون أكثر تأثيرًا وأشدّ وقعًا من تلك التي بالدوّامة، ثمّ إنه غادر المكان مودّعًا، وتركني وحيدًا ليس لي رفيقٌ إلا قلمي ودفتر مذكّراتي.