08-12-2013 04:32 PM
بقلم : د. إبراهيم بدر شهاب الخالدي
العنف الجامعي خصوصية أردنية بامتياز ، ينفرد بها الأردن دون سواه من دول العالم ، ويمثل مشكلة مؤرقة مزمنة مهملة بلا حلول ، وقد شوهت صورة جامعاتنا ، كما شوهت صورة مجتمعنا وبلدنا عربياً ودولياً ، ومزقت النسيج الوطني البريء ، الذي كان معروفاً بتلاحمه وتماسكه ونقاوته . وأسباب العنف الجامعي في بلدنا معروفة للجميع ، والحلول معروفة كذلك ، ولكن لا تتوافر الإرادة السياسية والجدية اللازمة لتطبيق تلك الحلول ، أو اتخاذ الإجراءات اللازمة الصارمة التي تحول دون نشوب الخلافات والمشاجرات ، ويبدو أن هناك شياطين تغذي العنف الجامعي داخل أسوار الجامعات وخارجها ، ولا ندري ربما يسعى هؤلاء إلى إفساد النظام التعليمي في الأردن ، الذي حقق سمعة طيبة على مستوى العالم ، وقفز قفزات نوعية أثارت غيرة الأقارب وحفيظة الأباعد ، أو أن هناك أصابع خبيثة تعبث بالجامعات وبالوطن برمته ، وما تفتأ كل حين تثير زوبعة هنا وهناك ؛ لتحقيق مآرب ضيقة على حساب الوطن والمواطنين !. وبالتالي تحاول إجهاض أية فكرة ناجعة أو حل دائم لهذه المشكلة .
وبما أن المسألة قائمة دون حل ، أو حتى دون بوادر للحل ، وما تزال تراوح مكانها إلى أن يشاء الله ، فقد رأينا أن نسهم بتقديم بعض الاقتراحات العملية الممكنة التطبيق ؛ لعلها تجد طريقها إلى التنفيذ العملي بأيسر سبيل ، متى خلصت النيات وصحت العزائم .
تتلخص الاقتراحات في النقاط التالية :
1- ضرورة تعديل أنظمة الجامعات ، ولاسيما مطالب التخرج فيها ، بحيث يفصل أي طالب يقل معدله الفصلي عن 70% ، وذلك ابتداء من الفصل الدراسي الأول ، الذي يدخل فيه الطالب أعتاب الجامعة ، ذلك أن معظم الطلاب الذين دخلوا الجامعات بمعدلات متواضعة ، ومعظمهم كان قد حصل عليها بطرائق ملتوية ( والطرائق الملتوية كثيرة لا تحصى ) أو تم حشرهم فيها بطريق الواسطة ، أو بقوائم الاستثناءات ، وجاؤوا إلى الجامعات محملين بالعقلية المستهترة التي تربوا عليها في مرحلة ما قبل الجامعة ، ودرجوا على نمط من السلوك بالأساليب الملتوية التي أوصلتهم إلى الجامعات ، ولأهداف ليس أدناها : التسلية ، والتسكع ، وإضاعة الوقت في ملاحقة الجنس الآخر ، والاستمتاع بمزايا البيئة الجامعية ، هم الذين يفتعلون المشاجرات ، وهم الذين يحطمون المباني والأجهزة والمختبرات . وبهذا الاقتراح نقطع عليهم تحقيق أهدافهم المريضة هذه ، وندفعهم إلى الاهتمام بالعلم ، والحرص على التفوق ، أو على الأقل الاستمرار بالدراسة الجامعية ، والتخرج فيها بمعدل مقبول ، يؤهلهم للوظيفة الحكومية أو لسوق العمل .
2- التصدي بحزم لهذه الظاهرة . ومع يقيننا أن الاقتراح الأول ناجع إلى حد بعيد ، ولكن لا يخلو الأمر من طلبة تقصر جهودهم وعقولهم عن تحقيق تلك المطالب ، فيتذرعون بذرائع شتى لتبرير فشلهم وتقصيرهم ، وبالتالي يلجؤون لافتعال المشاجرات والعبث بمرافق الجامعات ، عندها يكون هذا الاقتراح الثاني لهم بالمرصاد ، الذي مفاده : الفصل المباشر لكل طالب ينخرط بصورة مباشرة أو غير مباشرة في مشاجرات أو تحطيم الممتلكات ، ومنع قبوله في أية جامعة أردنية ، وبذلك نستأصل بذرة الشر من جذورها ، ونزرع الخوف في قلوب من تسول لهم أنفسهم الانزلاق في مشاجرات طلابية أو التحريض عليها ، وبذلك نصطاد عصفورين بحجر واحد ، فمن أمن العقاب أساء الأدب ، كما تقول الحكمة . على أن يرافق ذلك إجراءات صارمة تحول دون السماح لوسطاء السوء ، من طالبي الشهرة والسمعة الزائفة بالتدخل في هذا الأمر ، من أجل إعادة أي من الطلبة المشاكسين أو المجرمين إلى مقاعد الدراسة ! وتوجيه أصابع الاتهام إليهم وفضحهم ؛ لأنهم يغذون ظاهرة العنف هذه ، ويساندون العابثين والفاسدين .
3- إلزام المدرسين في الجامعات بتكليف الطلاب بإعداد أبحاث وتقارير متصلة بكل مادة تدريسية ، وتخصيص جزء من علامات المادة لهذه الواجبات . الأمر الذي يدفع الطلاب لولوج المكتبات الخالية من الرواد ، وإحياء دورها في إثراء الفكر وتهذيب السلوك . وهو ما يضطرهم إلى الجدية في البحث والمطالعة والتحضير للواجبات الجامعية ، بما يصرفهم عن افتعال الخلافات والانخراط في المشاجرات أو تكسير الممتلكات ، أو تحقيق أهدافهم المشار إليها ، وتكريس تفكيرهم وجهودهم لخدمة أهداف الجامعة ، في تخريج طلاب متميزين هدفهم العلم ، وخدمة أنفسهم ووطنهم ، وهو ما من شأنه رفع سوية جامعاتنا ، ويزيدها ألقاً وإشراقاً . وبذلك نعيد للجامعات هيبتها ومكانتها ، بما يمكنها من أداء رسالتها التي أنشئت من أجلها ، وتحقيق طموحاتها التي تسعى لها .
هذه الاقتراحات تبدو سهلة وبسيطة ، بل هي كذلك ، وهي فعالة إلى حد كبير متى أخذت بالجدية اللازمة ، مدفوعة بالنية الصادقة ، والجهود المخلصة . والله الموفق .