09-12-2013 09:58 AM
بقلم : أيمن موسى الشبول
امتحان التوجيهي لم يفقد هيبته وقدسيته فقط يل فقد كل معنى” له حتى أصبح في نظر الكثيرين أهم عناوين الفساد والترهل والتسيب والانفلات المجتمعي في هذا اليلد ...
قبل عدة سنوات علق البعض بأن امتحان التوجيهي قد تحول لقياس فنون الغش وأساليب المراوغة وكفاية التمويه لدى الطالب الأردني ....
وفي الأعوام الأخيرة لم يعد هناك ما يقيسه هذا الامتحان عند طالب التوجيهي ؛ فالأسئلة تخرج من القاعات في الدقائق الأولى لجلسة الامتحان ، ثم تعود محلولة وجاهزة للطالب عن طريق برنامج ( الواتس أب ) ... ويدفع الطالب مبالغ مالية لمراكز العمليات والغش المنتشرة حول قاعات الامتحان لقاء هذه الخدمة المقدمة !
وليس على الطالب المشترك في هذه الخدمة سوى نقل ورسم ما يراه على صفحة موبايله من حلول جاهزة ومصورة حرفيا” ... وان حدث لهذا الطالب وتعثر في أحد الأجوبة وجد النجدة من زملاءه ووجد المعونة والتصرة من المراقبين ...
أثناء الامتحانات المدرسية وفي العصر الذهبي للتعليم كان المراقب حين يرى الطالب قد طوى ورقته وجلس صامتا” بادر لسؤاله على الفور : هل أكملت الأجابة ؟ فيقول الطالب : لم أكمل الأجابة بعد ، ولكن بقي علي سؤال واحد ولا أعرفه نهائيا” يا استاذ ، فيقول المعلم : إذن لماذا لا تسلم ورقتك ، أم تراك تنتظر بالوحي ليتنزل عليك ؟! وعندها يسلم الطالب ورقة الإجابة بعد أن يقتنع بأن الإجابه لن تصله أبدا” ـ فالوحي قد انقطع ، وهذا المعلم الجاد والمخلص فوق رأسه ، ولكن الأمور قد انقلبت هذه الأيام فالامتحانات المدرسية ليست سوى مضيعة للوقت ، لان النتيجة ستكون معروفة وهي النجاح المحقق للجميع في ظل تقنين نسب الرسوب ، أما في امتحانات التوجيهي : فان الطالب يجلس تماما” في انتظار وصول الاجابات كاملة اليه إما عن طريق ( الواتس أب ) أو عن طريق المراقبين الذين باعوا ضمائرهم وباعوا دينهم ، وما أكثرهم في هذه الأيام !
سألت أحد المدرسين المتفرغين للعمل في التدريس الخصوصي في بيته : كيف هو عملك في هذه الأيام ؟ فأجاب : لقد اقتصر عملي فقط على تدريس عدد قليل من طلاب المرحلة الأساسية بعد عزوف طلاب التوجيهي عن الدروس الخصوصية ، ثم علل السبب بقوله : يبدو بأن طلاب التوجيهي قد اقتنعوا اليوم بعدم جدوى الدراسة بجميع أشكالها بعد انتشار الغش عن طريق ( الواتس أب ) وغيره !
لم يعد هذا الأمر خافيا” على أحد أبدا” ، وقد أبصره الجميع ممن ملكوا العقل الراجح والبصيرة ، وكل من ادعي غير ذلك فهو كاذب ومكابر ومراوغ ... والجميع باتوا مدركين لهذه الحقيقة المرة والقاسية ، ولكن وبكل أسف فلا زال بيننا من يكابر من الذين وجدوا في هذا الواقع المظلم فرصتهم الذهبية للقفز بأبناءهم الكسالى ليكونوا في مقدمة الركب الأردني المنطلق للمجهول ... لقد سمعنا عن طلاب توجيهي لم يشتروا الكتب ولم يدرسوا حرفا” واحدا” ثم نجحوا وبمعدلات عالية ومرتفعة ! وحتى لقد سمعنا عن طلاب لا يجيدون القراءة والكتابة وبعد ذلك حصلوا على معدلات مرتفعة ونجحوا بتفوق وجدارة ! وسمعنا الكثير والكثير ... انه الواقع المؤلم الذي يتكرر في كل دورة وفصل دراسي ، وقد كتبت عنه صحافتنا الاردنية في كل دورة وفصل دراسي ، وقد بات هذا الامتحان المنفلت والمتسيب هو الشغل الشاغل للدرك الاردني وللشرطة الاردنية في كل فصل دراسي خلال محاولاتهم لدفع الأهالي المتجمهرين حول المدارس في محاولة منهم لتغشيش أبنائهم الممتحنين عن طريق بعض الشباب المتسلقين لاسوار وقاعات الامتحانات ، وقد سقط بعض من هؤلاء أثناء محاولاته هذه ولقي حتفه ...
في السنة الماضية قرأت في الصحافة إعلانا” صدر من احدى مؤسساتنا الاردنية لتوظيف من يحملون شهادة الصف العاشر ولكن بشرط واحد ووحيد وهو : اجادتهم للقرآة والكتابة ... وأتوقع بأن تلجأ المؤسسات الحكومية الاردنية بعد مدة قليلة لإشتراط اجادة القرآة والكتابة لحاملي شهادة التوجيهي ... وإن لم تجري معالجة سريعة وحقيقية وصادقة للمشاكل التعليمية في هذا البلد وعلى رأسها امتحان التوجيهي المتسيب ، فسوف تشترط دوائرنا ومؤسساتنا في المستقبل القريب على خريجي الجامعات بأن يجيدوا القرآة والكتابة كشرط وحيد„ لتوظيفهم !!!
إن الوضع التعليمي في هذا البلد هو بالغ الخطورة ، وقد بلغ حدا” ينطق لأجله الشجر والحجر ، وهذا الوضع لا يمكن لعاقل ومهتم بمستقبل هذا الوطن بأن يصمت أمامه أبدا” ... وان مستقبل البلد بمضي الى المجهول ضمن هذا الواقع المنحرف والخطير ، وان رضيتم ببقاء هذا الحال التعليمي المائل كما هو اليوم ، فلا تفزعوا من موت مريضكم الذي يشكو الرشح نتيجة لخطأ طبي فادح ، ولا تتعجبوا من الأخطاء الطبية المتكررة في مستشفياتنا ، ولا تتفاجئوا بعد اليوم ممن يسرقون الدواء من المستشفيات والعيادات ، ولا تغضبوا من دواءكم المغشوش ولا من غذاءكم الفاسد ، ولا تتعجبوا من انهيار المباني على رؤوس قاطنيها لخطأ هندسي أو نتيجة الاستهتار والغش والتلاعب ، ولا تغضبوا من غش تجارنا ومن جشع بائعينا ، ولا تتعجبوا من اهمال مدارسنا واستهتار مدرسينا ، ولا تتفاجئوا من ضحالة علم واعظينا ومن استهتار شيوخنا وتخاذل أئمتنا ، ولا تتفاجئوا إن واجهتم القاضي المرتشي ، والموظف السارق ، والمسؤول الخائن ، والمحامي المخادع ، ولا تتفاجئوا لرؤية النائب الخائن والمستهتر تحت قبة البرلمان ... فكل هذا الاختلال المجتمعي هو نتيجة حتمية لانحدار التعليم الأردني الذي هدم الكثير وسيهدم كل شيء ...
لقد قتلتنا هذه الاقوال والتبريرات : إن رأيت الجميع يغشون فلن يفيدك اجتهادك أبدا” ! ان رأيتهم يسرقون فلن ينفعك ورعك بعد أبدا” ! إن رايتهم يهربون فكن أولهم ، وإذا ربعك انجنوا عقلك ما بنفعك ! وغير ذلك الكثير والكثير ...
نحن أمام أجيال اختلفت مفاهيما واختلطت قيمها وتهاوت أخلاقها الى أن فقدت بوصلتها فهرولت دون وعي خلف المجهول ، هذا هو الواقع السيء لأجيال ( الواتس أب ) وقد يكون المستقبل أكثر سوء” وأشد قتامة” إن لم نرسم لأبنائنا تعليمهم ومستقبلهم بعيدا” عن الغش واللعب والعبث ...