09-12-2013 09:59 AM
بقلم : الدكتور شفيق علقم
يشكو كثير من المعلمين و اولياء الامور كسل طلابهم و ابنائهم ، فيتسرعون الحكم باللوم والتقريع والتأنيب احيانا، و بالعقاب والحرمان احيانا اخرى ،و الضحية في كل حالة هو التلميذ المسكين ! فيرتد هذا إلى نفسه احيانا ، و تبدأ الصراعات والمشاكل، خاصة اذا ما اتخذ هؤلاء موقفا سلبيا منه ، و لا يعلم هؤلاء ان العقوبات والملامات تزيد من الصعوبات لدى التلاميذ، وتنتزع اخر وسائلهم بدلا من ان تساعدهم .
فمن الخطأ التعجل بوصف الطالب بذلك ، دون السعي إلى فهمه والبحث عن الاسباب المحتملة للحالة المزعومة .
لقد اثبتت الدراسات ان الكسل كعدم انتباه، هو حالة لا وجود لها البتة ،و ما الكسل إلا تعبير عن اضطراب او اعراض يجب البحث عن اسبابها .اذ هناك فروضات كثيرة او اسباب محتملة لهذه الظاهرة المفتعلة، نستطيع ان نضعها تحت عوامل ثلاثة هي:-
1- اولا:- اسباب جسدية ، تتعلق بصحة التلاميذ الجسمية وفعالياتهم العقلية الفيزيولوجية ،ونموهم الحركي والمعرفي.
2- ثانيا : -اسباب تربوية تتعلق بالمحيط التربوي بشتى عناصره (المناهج ,المدرسة ,المعلم ,المدير ,الاساليب...الخ)
3- ثالثا:- اسباب عاطفية واجتماعية، وتتعلق بالعلاقات مع العائلة والمدرسة والبيئة المحيطة والمجتمع.
اما الاسباب الجسدية - وهي الاكثر شيوعا – (وفي الحالات العميقة منها لا تعرف إلا بالكشف الطبي) كما يمكن ان تكون منها حالات عابرة ، خاصة تلك التي تصيب فترة من العمر كالاضطرابات الفيزيولوجية لمرحلة المراهقة ،او الارهاق الوقتي، او نقص النوم مثلا .
وعلى اية حالة، يتأتى ان نضع في حساباتنا لدى معالجات التلاميذ الفروض التالية :- من مثل ملاحظة صحة الطفل العامة في تعب النمو، او الارهاق، او قد تكون البيئة العائلية لدى التلاميذ غير صالحة، قد تؤدي إلى ارهاق ،او اضطرابات وقتية ،و كثيرا ما تقف المشاكل البيتية امام نموهم بشكل عام.كما ان سوء التغذية ونقص الفيتامينات والعناصر المطلوبة للجسم ،او السكن الذي لا تتوفر فيه الشروط الصحية هي فروضات محتملة وممكنة .ويشكل الاهل المقصرون والعاجزون عن مساعدة ابنائهم، او المعلمون العاجزون عن فهم تلاميذهم وحل مشاكلهم صعوبة اخرى تضاف إلى مشاكل وصعوبات الطلاب .
كما ان عدم وجود الكفاية الفيزيولوجية ، وفقر الدم الذي يحصل نتيجة سوء التغذية ،ونقص ما يحتاجه الجسم؛ تجعل من الطلاب ذوي فعاليات خاملة ، و هناك بعض الطلاب لديهم اضطرابات دماغية طارئة او جزئية، وبعض الطلاب لديهم (نقص حسي) نقص في الرؤيا (ضعف البصر) ، او نقص في السمع ،ومنهم لديه صعوبات لغوية ، تأتأة او غمغمة ...الخ وبعضهم لديه صعوبات في الادراك .
واما الاسباب التربوية فتتعلق بالمحيط التربوي، فقد تكون طرق التدريس رديئة او غير فعالة ، فلا تجعل العمل مثيرا للاهتمام ؛ مما يؤدي إلى انصراف التلاميذ عنها ، او قد تكون البرامج التعليمية والمناهج مزدحمة وثقيلة و فوق طاقة التلاميذ ، او ان التعليم نفسه مجرد ومتماد في التجريد ويفرض ساعات جمود طويلة على التلاميذ ، او قد تكون الصفوف مكتظة و مزدحمة بالتلاميذ، او ان المعلمين ليس لديهم خبرة تربوية و سيكولوجية، او انهم يغيرون كثيرا من طرائقهم ويتغيرون بكثرة، ويتنقلون بين مدارس مختلفة ،فلا يستقر الطلاب بسبب عدم استقرار معلميهم .
وقد يكون الطلاب انفسهم مكررين لصفوفهم؛ فيصيبهم الاحباط ،او تكون هناك ثغرات في التعلم او التعليم؛ بسبب انقطاع الطلاب عن الدراسة، او تغيبهم عن الدروس فلا يستطيعون متابعة فهم الدروس الحالية بسبب عدم الربط مع المعارف السابقة ،او ان يعطى التلاميذ فروضا كثيرة وجهودا لا يستطيعون القيام بها ، فيكون الجهد المطلوب منهم اكثر من مستواهم العقلي .
وقد يكون سوء التنظيم التربوي والخلط بين القدرات، او ان ميول التلاميذ لا توافق التعليم المفروض عليهم؛ كأن تكون ميولهم مهنية وليست علمية؛ فيجبرون على التعليم العلمي من قبل ذويهم، وهنا يكون الكسل عجزا او دفاعا عن الذات .وقد يكون جهل المعلمين لحاجات التلاميذ و امكانياتهم ، او جهلهم بنمو التلاميذ النفسي و الفيزيولوجي اسبابا وفروضا محتملة، او يكون البناء المدرسي ذا كفاية ناقصة وضيقة .
اما الاسباب العاطفية والاجتماعية؛ والتي تتعلق بالعائلة و الاسرة والمجتمع، فيقف وراءها احد او بعض الفروضات من مثل الاضطراب العاطفي كالقلق ، او المعارضة او الشك بالذات، او الشعور بالنقص او الخوف من ملامة الاباء والمعلمين او عقوباتهم .
وقد يكون عدم التلاؤم مع الواقع والهروب مع احلام اليقظة من هذه الفروض، او ان يكون لدى التلاميذ ضعف في (الأنا) ، ونقص في الارادة ،فلا يستطيع التلاميذ السيطرة على الاعمال المدرسية، و بالتالي لا ينتبهون ولا يهتمون، و قد يكون التلاميذ كثيري النزاع مع اهلهم وغير متفقين معهم ،او ان لديهم غيرة من اخوانهم ،او لديهم شعور بعدم الامن العاطفي، او احساس لا شعوري بالإثم، او ان الاهل يقارنون كثيرا بينهم وبين اخوان لهم .فيستعمل التلاميذ الكسل احيانا كوسيلة ضغط على المحيط ،او رد فعل ضد البيئة ،او صورة من صور الدفاع والحماية ،لان اهلهم ومعلميهم يضربونهم فيرفضون الاهتمام بعمل لا يجنون منه سوى العقوبات و الملامات .
اذن علينا هنا ان نعي معطيات الثواب والعقاب و اثرهما على عملية التعليم والتعلم ، فان عدم الاتفاق مع الاهل، والغيرة بين الاخوة ،والشعور بعدم الامن العاطفي يخلق لدى التلاميذ قلقا او عدوانية فلا يستطيعون القيام بعمل مدرسي يثير نزاعا مع اسرهم، او مقارنات مؤلمة مع اخوانهم .
ان المعلم الناجح و الاب الذكي ؛لا يعدمن من الوسائل ما وسعت حيلته للكشف عن الاسباب الحقيقية التي يمكن ان تكون من الفروضات السالفة المقترحة او غيرها، ويحاول معالجتها و ازالة الاسباب التي تكمن وراء ما يسمى بظاهرة الكسل المزعومة .