21-06-2008 04:00 PM
اسوء ما في تصريحات جون ماكين الانتخابية - عبر مستشاره - حول الخيار الاردني ليس في كونها صاردة عن مرشح الرئاسة الامريكية للحزب الجمهوري الحاكم حالياً ، وانما لأن هذه التصريحات الاخيرة جاءت مترافقة بالضبط مع عدة تصرفات حكومية اخيرة مثيرة للجدل والنقمة، وتركت الاردنيين يعانون من خوف حيال المستقبل، فالمشكلة هذه المرة ليست في الموقف الامريكي الذي كان دائماً يرى الحل بعيون اسرائيلية، وظل الامريكان والصهاينة ينقلون القضية الفلسطينية من مرحلة الى مرحلة بالتسويف انتظاراً لتغير جذري على موازين القوى الدولية والاقليمية يتيح فرض الحل الذي يريدونه، وكانوا بالفعل يستغلون واقعاً ترتب بفعل اطراف عديدة على الارض صار الاردن بموجبه اكبر بؤرة لتجمع اللاجئين الفلسطينيين في العالم، وراح الاسرائيليون يتجاوبون بأكذوبة تتناسب مع كل مرحلة من مراحل الصراع والذي خضع لخلل فاضح في موازين القوى نظراً للحالة العربية التي عانت من انحدار مستمر بدأ بخروج مصر من موازين القوى عن طريق السادات، ثم تلتها السعودية كدولة نفطية كبيرة، واخيراً لحق العراق بمؤامرة دولية حيث يعد القوة المسلحة الاولى في المنطقة العربية، وهكذا كان الاسرائيليون ينقلون القضية من مرحلة الى اخرى مع تناقص في الطرح السياسي يرافق التوازن الجديد، ويهيئون بواسطة بعض الحكومات العربية الاجواء على الارض حتى اذا ما اصبحت موازين القوى قابلة للحل الوحيد الذي يريده الصهاينة على الوجه الحقيقي يتم التوافق على انفاذه برغبة عالمية تقودها امريكا بغض النظر عن موقف اكثر الاطراف تضرراً وهم الاردنيون، واخوانهم من الفلسطينيين. اما العرب الذين رأوا الحل بالمفاوضات بعد ان اسقطوا خيار الحرب اثر اكثر من هزيمة فبقي سقف الحلول المعلن عندهم للقضية الفلسطينية ثابتاً على قرار التقسيم، وظلوا من السذاجة بمكان بحيث انهم لم يأخذوا تطورات موازين القوى بالحسبان وقد ساهموا هم انفسهم بوصولها الى هذا الدرك الاسفل، وفي المقابل كان هنالك قرار سياسي قديم في الاردن نفذته بعض الحكومات باستبدال الهوية الفلسطينية لغالبية الفلسطينيين الى هوية اردنية بديلة (وهذا مطلب اسرائيلي) فحصل الكم الاكبر من اللاجئين على الوثائق الرسمية التي اتاحت لهم المشاركة في القرار السياسي كمواطنين اردنيين، (الاردن الدولة الوحيدة في العالم ككل والعالم العربي على وجه الخصوص التي قامت بمثل هذا الاجراء)، وعبثاً حاولت بعد ذلك حكومات اخرى تحويل الاردنيين من اصول فلسطينية الى اقلية من خلال توزيع المقاعد النيابية، وتفاوت نسبة الاصوات من منطقة الى اخرى حسب قانون الصوت الواحد لتخفي حقيقة الوضع السياسي الراهن. ومن جهة اخرى كانت هنالك سياسيات مريبة مست واقع الاردنيين في القرى والريف من حيث ضرب القطاعات المنتجة التي يعملون بها، فتم تدمير الزراعة وآخرها المجزرة التي تعرض لها قطاع تربية المواشي، وبذلك دمرت الاحوال المعيشية لمن يعلمون بهذا القطاع، ورافق ذلك الاهمال المتواصل الذي عانته كثير من القرى الاردنية فتحولت الى مناطق منكوبة، وحتى المدارس فوصفت حسب التعبير الرسمي بالاقل حظاً، وكأن تهيئة تجري لسكان هذه المناطق ليكونوا اقل قدرة على رفض واقع سياسي كان يحضر له ليصار الى فرضه على الاردن. فبات الاردنيون غير قادرين على مواجهة اوضاع سياسية خطيرة ستؤثر على مستقبلهم وهم بمثل هذا الضعف الى درجة انهم صاروا اعجز من ان يوفروا شروط الحياة البسيطة لاطفالهم من مأكل وملبس وتدفأة، واستطاعت ظروف الحرمان المتعمد من جر غالبية الاردنيين الى بيع اراضيهم خلال السنوات الماضية فاجتاحت البادية الاردنية موجة بيع اراضي غير مسبوقة بعد رفع اسعارها الى عدة اضعاف، وبعد سياسية تحرير الاسعار الاخيرة كان اكثر المتضررين مناطق الفقر ايضاً فأصبحت القرى مستقراً للحصة الاكبر من كراتين المساعدات، وتحول كثيرون الى مجرد متلقي معونة شهرية من صناديق التنمية الاجتماعية. ثم يحدث بسرعة ان ترفع الدولة يدها عن تقديم الدور الاجتماعي بالكامل، وتترك السوق ايضاً في قبضة التجار، وتتمسك فقط بدورها الامني، وبهذا انكشف الفقراء والاقل حظاً ومن يعيشون على رواتبهم البسيطة امام تخلي الدولة عن دورها في حماية السلع والخدمات الذي يعني بالضبط نزع الحماية عن معيشة هذه الكتلة الكبيرة من الاردنيين الذين سيواجهون الواقع الجديد ببطون خاوية، وقد تمكنت هذه السياسات من تحويلهم الى ناقمين وهذا ساعد ايضاً على فك ارتباطهم بالاردن، وبذات الوقت تترافق عمليات بيع منظمة لمؤسسات خدمية كبيرة، وذات طابع سيادي بحجة ارتفاع اسعار اراضيها، وتباع قطع اراضي كبيرة، ومؤسسات اقتصادية رابحة تجذب الاستثمار وتخرج للعلن انباء صفقات بيع لا سابق لها بالمليارات شملت عدة مواقع من العاصمة مما اثار بدوره الشكوك حول حقيقة ما يجري، وهل يأتي ذلك استباقاً لواقع قريب قادم، وهنا تأتي تصريحات مستشار جون ماكين لتضيف مزيداً من الشكوك وتجعل الاردنيين والفلسطينيين يضعون ايديهم على قلوبهم من مغبة المستقبل، خاصة وان غزة اصبحت جزء منفصلاً تقيم شكلاً من اشكال الكيان السياسي وتحاول ان تجد لها واقعاً اقتصادياً باتجاه مصر، وفي الضفة الغربية يتهاوى المشروع السياسي المنقوص للسلطة الفلسطينية وقد اصبح جاهزاً لتغييرات قد يجد الامريكان حلا لها باتجاه الاردن ناهيك عن ان الضفة الغربية قضمتها المستوطنات، وهنالك خطوط اسرائيلية حمراء فيها وعلى رأسها القدس الشريف. ولعمري فقد يكون هذا هو الحصاد السياسي المر لاكذوبة المفاوضات ومعاهدات السلام، واني لادعو الى مواجهة شعبية لما يجري بجدية استناداً الى موقف كل من الاردنيين واخوانهم الفلسطينيين وقد تعرض كلا الطرفين الى مؤامرة لا تخدم سوى الصهاينة سواء بتضيع الهوية الفلسطينية او سياسة اضعاف الاردنيين وذلك لوقف هذا المخطط الحقير والذي اعتقد جازماً ان اطرافاً داخلية ساهمت في بلوغه هذا المستوى الخطر.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-06-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |