حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,24 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 19250

الناصري .. في حضرة اللون وغياب الرسم

الناصري .. في حضرة اللون وغياب الرسم

الناصري ..  في حضرة اللون وغياب الرسم

19-12-2013 01:41 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - سرايا- عمتَ تراباً في مكانك البرزخي، وعمت حين كان المساء قرمزياً في حضرة اللون واستدراج الذكريات، عرفتك من قرب وكنت لي المؤشر الحقيقي في فهم من هو الفنان، كنا نتبادل الحوار العالي بعيداً عمّا يدور من ترهات في الكشف عن مفاهيم الفن التي يمارسها بعضهم، نتكلم في العمق بصوت خفيض كما لو أننا نتحدث عن أسرار لا نريد لأحد أن يسمعها .


سلام على روحك الطيبة التي فاضت في تراب عمان لتملأه حُبّاً وجمالاً.
حين كنت اذهب إلى مرسمك كنت تقول كلمة واحدة لن أنساها: نحن نعيش من أجل الفن، فلم يبق غيره، لقد عرفنا فيك رقة الإنسان وصلابة الفنان الذي لا يجامل في غمار الفن.. كنت الأكثر وضوحاً في حكمك على الأشياء، وكنت كما عرفتك المُخْلِص لرسالتك العالية التي شكّلت منارة لمن أراد الفن الحقيقي .


عُمْتَ جمالاً أخي رافع فكل الذي فوق التراب تراب.. لقد سبقتنا إلى برزخ هائم في جمال الآخرة وقبلها كنا في دنيا الضنك نقاوم بؤس المشهد وسوء المنظر.. حملنا رسالة كنت تحملها وما زلنا نحط الرحال في بيت الجَمال غير آبهين بالأشباه الذين يحاولون مقاومة الضوء .


رحلتَ وَأَبَيْتَ إلا الإقامة في أعالي الجمال ساكناً الأبدية رائقاً متحملاً خفّة الكائن التي لا تحتمل، كنت الأكثر شفافية كما الحلاج الذي لم يتأثر من سيف القاتل لكنه تألم من رقة الوردة..


واذكر في هذا المقام المهلهل حين قال:

 


«فطاعنتُ عنه الخيلَ حتّى تنفّستْ
وحتّى علاني حالكَ اللـونِ أَسْوَدِ»
عرفناك في مقام الناسك في اللون، وكنت تؤشر على جرح الثقافة العربي في الحوارات وفي كتبك وفي ذكرياتك الخصبة التي لا تنضب، لقد خسرتك عمان قبل بغداد فرحلت بعيداً عن بغدادك لتمكث في تراب عمان الدافئ..


غريباً في مهب السفر فكانت مؤونتك الأصدقاء المخلصين يعينوك على الحياة هنا وإلى جانبك زوجتك الناقدة والشاعرة مي، تلك الإنسانة التي فهمتك أكثر من روحك .
اذكر حواراتنا أنا وأنت وأخي جهاد حول ما يدور في الفن العربي والأردني على وجه الخصوص.. كان جوابك واضحاً كشمس جلية فكنا نخرج من عندك مبهورين بحكمة لا تشبه إلا ألوانك .
كنت الذي يحمل الحق فيما تقول عن الناس، فتقرب منك بعض المرابين الذين كانوا في غير مجلسك من الذمّام، وكنا نعرف أن الفارس كثر أعداؤه كما قال الشاعر :
«أتجزع ممّا أحدث الدّهر بالفتى
وأيّ كريم لم تصبه القوارع».


فالكريم هو الذي تصبه القوارع دائماً كما كنت أنت كريماً بعلمك وفنك، فعشت غربتك الخاصة كما عاش الصوفيين حياتهم غرباء في مساحة الجهل..
«فؤاد لا يقر له قرار وأجفان مدامعها غزار
طال بالإنكار حتى ظننت الليل ليس له نهار».


أخي رافع لقد سبقنا إلى تلك الآخرة الحلاج والسهروردي وابن عربي وأبو اليزيد البسطامي فكل غريب لا يقو على احتمال بشاعة الدنيا حين يضن عليك القوم فكل عزيز يرحل نمكث في بكائنا عليه كما لو أننا نريد اللحاق به
كنت أتمنى أن تكون بغدادك في رحيل مهيب يليق بك أيها الكبير، لكن جنازة الغريب تكون أكثر حرقة من أهله، فجنازة الغريب جنازتين الرحيل وموت الوطن فيه .
«أبكى على شجني من فرقتي وطني
طوعاً ويسعدني بالفوح أعدائي».


كان رحيلك أبلغ من أن نصدق انك هناك، كنت الرفيق الذي لم يخذل صاحبه، والصاحب الأكثر رفقاً جمالاً..
صديقي لم تكن الغربة بالرحيل عن الأوطان فقط بل هي الألم الأكثر شراسة في حضرة الأهل كنا فيما نقول أكثر غربة في وطن نسي الصحاب وبات غريبا علينا.. رحلت وتركت خلفك ما يمكث في الدنيا، جُملا على الجدارن وفي الذاكرة فلم تزل أعمالك تشع شموساً تقدم لنا جرعة من حياة .


فأنت الذي رسمت قصيدة الراحل الكبير محمود درويش «كزهر اللوز أو أبعد» درويش الذي سبقنا إلى البرزخ واذكر انه قال في الغريب قصيدة جارحة يرثي فيها نفسه بقوله :
«لا أعرف الشخصَ الغريب َولا مآثرهُ
رأيتُ جِنازةً فمشيت خلف النعش،
مثل الآخرين مطأطئ الرأس احتراماً. لم
أجد سبباً لأسأل: مَنْ هُو الشخصُ الغريبُ؟
وأين عاش، وكيف مات فإن أسباب
الوفاة كثيرةٌ من بينها وجع الحياة».








طباعة
  • المشاهدات: 19250

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم