21-12-2013 10:14 AM
بقلم : جمال أيوب
في ختام جولته الأخيرة في المنطقة فاجأ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي صرح بإعلانه عن تفاؤله الكبير في شأن مستقبل المفاوضات الصهيونية الفلسطينية ، في إيحاء كما لو أن هذه العملية بلغت ذروتها وباتت في مراحلها الأخيرة ، مفاجأة كيري كانت مثيرة للإستغراب ومدعاة للتساؤل هل لدى كيري عين ثالثة يرى بها الأمور على هذا النحو ، أم أن إعلانه التفاؤلي مقدمة أمريكية لما هو مبيت من حلول جاهزة ؟ .
لا أحد يفهم بالضبط ماذا يجري حاليا في اللقاءات التي تتم خلف أبواب مغلقة بين الرئيس محمود عباس وجون كيري ، فاللقاءات كثيرة والنغمة السائدة تؤكد على الفشل المطلق , كيري يحاول إقناع الرئيس عباس بالقبول بالمطلب الصهيوني المتمثل في فترة إنتقالية لمدة عشر سنوات ترابط خلالها قوات صهيونية في غور الأردن ، والإشراف على المعابر مع الأردن مع حق الفيتو للعدو على أي شخص غير مرغوب فيه ، في كل مرة يتم فيها إستئناف المفاوضات بضغط أمريكي ، يخرج العدو الصهيوني بمطالب جديدة ، ففي المرة السابقة كان هناك شرط الإعتراف بيهودية الدولة ، أما الآن فان ملفات الحل النهائي مثل القدس والمستوطنات وحق العودة ، فقد تراجعت لصالح الإدارة الأمنية لغور الاردن .
المعلومات تقول بأن اللقاء بين الرئيس عباس مع كيري كان عاصفا لأن الأخير تبنى شروط بنيامين نتنياهو بالكامل حيث أكد الرئيس عباس على رفض قبوله بمسمى الدولة اليهودية ، وأصر على عدم وجود أي جندي صهيوني على الحدود مع الأردن في أي إتفاق نهائي أو الفترة الإنتقالية الممهدة له ، ولكن هذا الكلام لا يستقيم مع ما سربته المصادر ، ونسبت إليه استعداده للقاء نتنياهو أو حتى ليبرمان وزير الخارجية الصهيوني .
من هنا نخشى أن تكون معارضة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للخطة الأمريكية التي عرضها جون كيري وتقضي برفض أي وجود عسكري صهيوني في غور الأردن ربما أخطر من الموافقة عليها ، لسببين رئيسيين هما :
* إن خطر الخلافات في الجوانب الأمنية ورفض الوجود الصهيوني على الحدود بين دولة فلسطين إذا قامت والأردن يوحي في نظرنا بأن القضايا الخلافية الأخرى مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والأسرى قد جرى الإتفاق عليها ، أو إنها أقل أهمية ويمكن حلها ، أي قنبلة دخان لإخفاء مصائب اكبر.
* إن الضغوط الأمريكية والمغريات الأوروبية نجحت في بعض المرات السابقة في تليين هذا الرفض الفلسطيني ، من خلال صيغ التفافية خلاقة على هذا الرفض ، من الواضح إن كيري يضغط للتوصل إلى حل دائم للقضية الفلسطينية ولكن على الطريقة الصهيونية ، ويتجسد هذا الإصرار في زياراته للمنطقة ، وحديثه عن إتفاق إطار سيعرضه على الجانبين.
التوقيت ملائم جدا لكل من الإدارة الأمريكية والصهيونية لإستغلال الضعف الفلسطيني والتمزق الرسمي العربي ، لفرض تسوية تلبي كل الشروط الصهيونية ، حلفاؤهم العرب جوَعوا الفلسطينيين وجففوا كل منابع التمويل المالي لإجباره على الذهاب للتفاوض ، وإغراقهم في ديون لبنوك محلية ، والأراضي المحتلة مقسمة إلى كيانين ، والمصالحة متعثرة ، والمقاومة ممنوعة ، والإغراءات المالية والإقتصادية الأوروبية الموعودة فلم يكن من الصدفة أن يعرض الإتحاد الأوروبي رزمة حوافز مالية وإقتصادية على الفلسطينيين ، إذا تم إتفاق سلام .
الرئيس محمود عباس سيعرض أي إتفاق يتوصل إليه على الإستفتاء ، ولكن عن أي استفتاء يتحدث وهو بالكاد يسيطر على الضفة الغربية ، فقطاع غزة خارج عن سيطرة السلطة ، وكذلك المخيمات الفلسطينية في لبنان والأردن وسوريا ، وماذا عن الفلسطينيين في الشتات ؟!! وفوق هذا وذاك من سيضمن لنا نزاهة هذا الإستفتاء أو القبول بنتائجه؟ في ظل تغييب كامل لهذا الشعب ومؤسساته الوطنية ، تحرمه من القدس وتصادر حق العودة ، وتبقي المستوطنات وتعترف دولة يهودية.
نحن أمام طبخة جديدة يعدها جون كيري مع نتنياهو لتلبية شروط الأخير كاملة ، لقد أثارت هذه المسألة ردود فعل فلسطينية متعددة ، فهناك من يرى أن الخطة في طرحها الآن تغير من أولويات القضايا المطروحة للتفاوض ، وهناك من يرى في الخطة فصلاً آخر من فصول تصفية القضية الفلسطينية ، إذ لأول مرة في التاريخ تجرى مفاوضات على أساس أولويات حق الاحتلال ، وهذا انقلاب ليس على الحقائق والحقوق وحسب ، بل على المفاهيم الأخلاقية والإنسانية والحقوقية التي تكفلها المواثيق الدولية ، ومن تلك المفاهيم أن سلام وأمن وإستقرار هذه المنطقة رهن بإنتهاء الإحتلال الصهيوني ، وإستعادة الشعب الفلسطيني كافة حقوقه والسكوت على هذه الكارثة أكبر ، ولذلك لا بد من حراك فلسطيني لإجهاض هذه المؤامرة وأصر على إنها مؤامرة، حتى يرى كيري وغيره إن الشعب الفلسطيني ليس قطيعا من الغنم يمكن أن يفرط بحقوقه المشروعة بهذه السهولة، مقابل رشوة مالية أوروبية أو أمريكية ، فذرة من تراب فلسطين اغلى من كل مليارات العالم.