02-01-2014 09:36 AM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
أذا كان هناك من جائزة، كجائزة نوبل أو أي جائزة أخرى تمنحها الأمم المتحدة أو منظمات الإغاثة العالمية "لحسن" التعامل مع اللاجئين والمهجرين من بلادهم قسراً وظلماً، فلا أظن أحدا يمكن أن ينافس الأردن "نظاماً" و"شعباً" عليها، وهذا الكلام لا يقال من باب الاستعراض والتمنن- لا قدر الله – على أي احد ممن "فائوا" إلى هذا البلد منذ أن كان "كياناً سياسياً" وحتى ما قبل ذلك!! ، فلا يستوي الحديث عن الأردن الدور، والرسالة، والمشروع السياسي، أذا لم يكن موئلاً وملاذاً لكل من ساقته نوائب الدهر، والمؤامرات الدولية، إلى هذه الجغرافيا الممتدة ما بين وجعنا المزمن في فلسطين، وإلى الجرح الكربلائي المعتق في ارض الفرات، ومن ارض النيل التي تصارع لتنهض من كبوتها وغياب دورها، إلى بردى الذي تضمخ وجهه الجميل بدماء المؤامرة والفوضى وظلم ذوي القربى.
وقصة هذا الوطن المبتلى بقلة الموارد، والنكران الأبدي، وظلم ذوي القربى مع اللجوء "قديمة" قدم وجودنا على هذه الأرض، وليست وليدة العصر الحديث، وما قبل التأسيس الحديث للدولة الأردنية بصورتها"الحالية"، فقد احتضن كثير من الأشقاء العرب في سالف الأيام، عندما كان التعسف والقهر التركي والاستعمارين البريطاني والفرنسي في أوجه وشدته، فوفد إليه الكثير من أحرار العرب من الشام، والجزيرة، والعراق، والمغرب العربي، واحتضنتهم العشائر الأردنية في كل بواديها وحواضرها آنذاك على ضيق ذات اليد، وقلة الإمكانيات، وضنك الحياة.
تاريخنا مع اللجوء وإغاثة الملهوف ماثلاً وراسخاً في الوجدان للأبد، فذات زمان مضى من عام 1832، احتضن شيخ الكرك وحاكمها الزعيم الوطني "إبراهيم الضمور" ثوار نابلس الهاربين من عسف وظلم الحاكم المصري محمد علي باشا بقيادة الثائر قاسم الأحمد الجماعيني ، فما كان منه ومن فريقه ألا أن يحتموا بالكرك وزعيمها ، لتحاصر الكرك من قبل قائد الحملة المصري إبراهيم باشا، وتحرق البلدة، ويحرق أبناء ذلك الزعيم الوطني الكبير- الذي ما مر ذكره في مناهجنا العظيمة- دون أن ترضخ المدينة- القلعة- أو يرضخ زعيمها ويسلم من احتموا بالكرك ومن لاذا بأهلها ، ولا زال صوت الأردنية الكركية "علياء الضمور" يتردد صداه حينما صرخت بمن يفاوض زوجها ووجهاء المدينة على أبناءها السيد وعلي، قائلة كلمتها المشهورة "يا حيف" المنية ولا الدنية"!!.
واستمرت قصة احتضان اللاجئين والهاربين بإسلامهم أيام بطش القياصرة في بلاد القوقاز، فجاء إلى الأردن في أواخر القرن التاسع عشر من المسلمين، الآلاف من أبناء تلك البلاد وعاشوا فيها وأصبحوا من ركائزها.
ولا بأس أن نذكر من خانتهم ذاكرتهم القصيرة هذه الأيام!!، على مواقف زعماء الأردن وشيوخه الذين استقبلوا أحرار العرب من سوريا بقيادة سلطان باشا الأطرش ، عندما جارت عليهم قوات الاحتلال الفرنسي عقب معركة ميسلون، وسقوط الدولة العربية بقيادة الملك فيصل، فاحتضنهم شيوخ الخريشا وبني صخر والبلقاء وزعماء الكرك، وكتب الرحالة والمستشرقين الأجانب ومؤرخي بني معروف عن تلك الصور الرائعة في حسن الوفادة والحماية الكثير وليس هنا مكان لذكر تلك الروايات، حتى أن الشيخ "ابن منيزل" القطاونة قدم احد أبناءه ليصطحبه سلطان باشا في سفره، ليخدمه ودون أن يخبره بأنه ابنه البكر في صورة من أعظم صور الاحتضان والتكريم.
وربما لا يعلم الكثير منا أن المئات من الأشقاء الجزائريين والليبيين جاءوا إلى هذه البلاد أبان الاستعمار لفرنسي والايطالي فسكنوا مدينة المفرق وعاشوا فيها، حتى أن أول رئيسا لبلديتها هو الشيخ المجاهد الليبي علي باشا عابديه سنة 1947، فاندمج الكثير منهم في المجتمع الأردني وأصبحوا في موقع متقدمة في الدولة، وكذلك بعض العائلات التي لجئت من مصر أيام الحقبة الناصرية ومن منتسبي الأخوان المسلمين تحديدا، تسنم العديد منهم مواقع متقدمة في الدولة الأردنية وأصبحوا من الثوابت في معظم الحكومات الأردنية لاحقاً.
لا يستوي الحديث عن اللجوء واللاجئين دونما أن نتحدث عن اللجوء الأكبر في منتصف القرن الماضي، عندما أقدمت العصابات الصهيونية على احتلال جزء من فلسطين وشردت جزءً كبيرا من أهلها، فكان للأردن نصيبا وافراً في استقبال الأشقاء، لخصوصية العلاقة التاريخية بين الشعبين الشقيقين أو الشعب الواحد في البلدين، وحتى قبل وحدة الضفتين سنة 1951، وفيما بعد، وجاءت هزيمة حزيران ،1967 فكان اللجوء داخلي فيما بين المدن والمحافظات الأردنية، ففلسطين كانت من جزء من الدولة الأردنية وضمن مسؤوليتها القانونية والإدارية.
استعرض ذلك التاريخ للمقارنة فقط، وليس من باب نكأ الجراح الغائرة، واستحضار الخيبات المزمنة، وحالة الضياع البلا نهاية أو حدود في عالمنا العربي ومنطقتنا الملتهبة،وأنا وكل العالم يتابع النزوح الهائل بفعل الأزمة السورية التي جعلت الدولة الأردنية بكل مكوناتها تدفع ثمناً فادحاً لمفاعيلها التي تزداد كلفتها الهائلة سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وليس انتهاء بالأزمات في السكن والمرور وفرص العمل الضئيلة أصلا، فقدرنا أيضا أن نؤثر على أنفسنا ولو كان بنا خصاصة.
هذه الدولة، والتي تعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخها، تستقبل بذات الوقت أكثر من مليون لاجئ على أراضيها، في الوقت الذي يصر الممولون والمتحمسون على استمرار الأزمة في سوريا واستعار لهيبها الدامي، على عدم استقبال عصفور واحد أو حتى فراشه هاربة من الجحيم في الشام المكلومة؟!!.
ما دعاني للكتابة الآن، هو الشعور بأن الدبلوماسية الأردنية مغرقة في شكر كل الإطراف على الدعم دون أن نرى انجازاً عمليا على الأرض ينعكس، فأصبحت كل القطاعات تعاني وبنفس الوقت، لا يوجد ثناء وشكر على الدور الذي يقوم به الأردن، الحكومة والشعب، بل السائد والمسيطر هو الشكوى، واللوم، وإدعاء التقصير!!.
الخوف أيضاً أن تزداد الكلف يوما بعد يوم، لا سيما وان ليس ثمة ضوء في النفق فيما يتعلق بالأزمة السورية للأسف، بل على العكس هناك خوف جدي من دخول لبنان –لا قدر الله- في أتون نارها، وان يدفع الأردن الثمن مجدداً، لأننا نستجيب دائما بحكم التزامنا بالواجبات والأعراف الدولية، ولكن دون وجود عائد يخفف من الآثار والمفاعيل الناتجة، ولا مانع من أن نذكر صناع السياسة الخارجية بان السياسة بين الدول تحكمها المصالح أيضاً!!.
ختاماً، أجد من المناسب أن اذكر أيضا بان عدد اللاجئين أصبح يفوق المليون وهو ما يوازي عدد سكان 6 محافظات أردنية، وبحاجة عملياً لذات الخدمات تقريباً، يستحق الأمر وجود أطار مؤسسي واضح أكثر من طابع الإغاثة ، فربما من المناسب أن يكون هناك مؤسسة أو هيئة لها أطار قانوني ومرجعية إدارية وأمنية وإعلامية أيضا، حتى يمكن لمثل هكذا مؤسسة أن تساهم في تنظيم كل ما يتعلق باللاجئين واستثمار الأمر على الصعيد الخارجي دعماً للدور المأمول من وزارة الخارجية، ولا أظن الأمر مكلف على الحكومة، فهناك العديد من المؤسسات الفائضة عن الحاجة تقل أهمية بالآلاف المرات عن قضية بهذا الحجم، فالظاهر أن القصة طويلة وتحتاج لمؤسسية!!.