18-01-2008 04:00 PM
...لا ادري اين قرأت ذات يوم ...ان اصحاب احدى الديانات الهندية القديمة ..يعتقدون ان الاموات يعيشون في الحياة الآخرة ...حياة عادية ...تشبه كثيرا الحياة التي عاشوها في الحياة الدنيا ...فهم يأكلون ويشربون ويتحادثون ويكونون الصداقات ويتسامرون ...بل هم يكبرون ويتزوجون وينجبون اطفالا ويكونون (بتشديد الواو) المجتمعات المتكاملة بكل مرافقها ومستلزماتها ...وكل ذلك يتم بعد الموت ..وقبل البعث ..وعلى هذا ..فها انا اكتب هذا الحوار المتخيل بين مجموعة من الموتى العرب الذين التقوا بمحض الصدفة بعد موتهم وقبل بعثهم ...واعتذر سلفا ..ان كان هناك اي تشابه في الاسماء مع بعض من نحب ممن فارقونا ...فهو بالتأكيد تشابه غير مقصود ... ...النص ... ..مالت شمس ذلك اليوم نحو الغروب ..وازدانت السماء بذلك الشفق الجميل ..مما اضفى على الجلسة مزيدا من العبق الرومنسي ..وزاد من شهية الجالسين على رصيف ذلك المقهى السرمدي الى الحديث ...تلاقوا صدفة كما يحدث في الكثير من الاحيان ..وجمعتهم تلك الجلسة على ذلك المقهى ...ربما كانوا ثمانية ..او عشرة ..او اكثر من ذلك ..ولكنهم لم يكونونا اقل من ثمانية في اي وقت من اوقات جلستهم تلك ...وعلى صوت قرقعة صب الشاي في الفناجين واصوات الاراجيل العديدة ...راحوا يتسامرون ويتعرفون على بعضهم البعض ..وما هي الا دقائق حتى اكتشفوا انهم جميعا من ابناء الامة العربية ..ولكن من اقطار مختلفة ..حتى ان كبيرهم اقترح ...على سبيل المزاح ..ان يعلنوا الوحدة العربية هنا بعد ان عجزوا ..وعبر اجيال عديدة ..عن توحيد الامة في الحياة الدنيا ...وكما نعلم ..فالحديث ذو شجون ..وقد شرق ( الجماعة )وغربوا ..حتى اقترح اصغرهم سنا بأن يقص كل منهم كيف مات ...فطلب منه كبيرهم ان يبدأ بنفسه ...فاعتدل الاصغر في جلسته ..وقال : والله اني اعتقد اني اكثركم حظا سعيدا ...ذلك اني لم اعش في الحياة الدنيا الا اقل من ساعة ...اذ سارعت امي الى خنقي بمساعدة جدتي ...كوني مولود سفاح نتج عن علاقة آثمة بين والدي ووالدتي اللذين احبا بعضهما حبا جنونيا ولكن ضيق ذات اليد وقف حائلا امام زواجهما ...فأنا ابن نزوة ..ابن متعة عابرة ..انا ابن الفقر وابن الجهل وابن الفوارق الطبقية وابن الاختلالات المجتمعية ......انا اللقيط ....اما من تكلم ثانيا ...فقد بادر الاصغر بقوله : والله اني احسدك ! انا ابن حلال مائة بالمائة ...ويشهد على ذلك دفتر العائلة والجيران والاقارب ...ولكن قاتل الله الفقر الذي جعلني اتخذ من حاويات القمامة ملاذا اعتقدت انه آمنا ...فقد كانت الحاوية هي مأواي الذي آوي اليه عند مغرب كل يوم بعد ان ينهكني تعب الجري وراء لقمة العيش التي التقطها من هنا وهناك فأغفو رغم حر الصيف وبرد الشتاء ..وفي ليلة من الليالي ...شعرت وكأن هزة ارضية قد حدثت ..فارقت الحياة على اثرها ..اذ كانت سيارة مسرعة قد صدمت الحاوية ...فأنا ايضا ابن الفقر وابن الحياة الزوجية الفاشلة ..انا ابن الحر والبرد ...انا ابن الشتاء والصيف ...انا ابن الحاوية ....اما الثالث ...فقد بدى وكأنه يستعيد ذكريات بعيدة ...فقال بعد ان استجمع شتات افكاره ..: لن اطيل عليكم ...فأنا ابن العنف ..ابن الحروب الاهلية ..انا المسيحي والمسلم في آن ...انا اليساري واليميني في نفس الوقت ...انا الجبل والساحل ...مت عندما تقاتل الجميع مع الجميع ..قتلت يوم ادار العالم كله ظهره الينا ...جاءتني طلقة ..قالوا انها طائشة ومجهولة المصدر ...بينما كانت كل القوى العربية والاقليمية والدولية تخوض حروبها في بلادي ...فأنا ابن التشرذم والتشتت ...انا ابن الاصطفافات ...ابن المحاور الوهمية ...ابن الاستقطابات والاستحقاقات ...انا ابن اللاجدوى...وهنا تحمس الرابع للحديث فقال : اما انا ...فأنا قتيل السجون ...بدأت النضال ضد الدكتاتور في سن مبكرة من شبابي ..قبضوا علي بتهم عديدة ..اغربها ان فصيلة دمي لا تتوافق مع فصيلة دماء الدكتاتور ..وان جيناتنا مختلفة ..وتنقلت من سجن الى سجن ومن زنزانة الى زنزانة ..واثناء احدى حفلات التعذيب اليومية ...بالغ كلاب الدكتاتور في تعذيبي ختى فارقت الحياة غير آسف ...فأنا ابن المرحلة الدكتاتورية ...ابن عبادة الشخصية ..اين الظلم والقهر ..ابن الظلام والعتمة ...وجاء دور الخامس ...وكانت فتاة على جانب من الجمال ...فقالت وقد ارتسمت على ملامحها علامات لا تخفى من الخجل والحياء : انا ابنة الغدر عندما يتخذ صورة الرجولة المزيفة ...اخوتي الثلاثة هم الذين قتلوني بعد ان تآمروا وكلفوا الاصغر بينهم بذلك (كي لا يطاله القانون ) .... لفقوا لي تهمة ..انا بريئة منها كل البراءة ...تهمة تتعلق بالشرف ..وكان ذلك ليتخلصوا مني بعد وفاة والدي ووالدتي ...كي لا اطالب بحصتي بالميراث ...فأنا ابنة الجشع الانساني ...انا ابنة الوحوش الآدمية عندما تجوع الى القتل ...ثم اضافت : ما زاد في قهري ان القانون الاعمى لم يأخذ لي حقي من هؤلاء القتلة ...وما ان انتهت الفتاة من سرد قصة موتها ...حتى اكفهر وجه اكبر الجالسين ...نظر الى ساعته وهب واقفا ومستأذنا بالذهاب لأمر ما ادعى انه تذكره الآن ...على ان يستكملوا الحديث في جلسة اخرى
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-01-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |