04-01-2014 02:57 PM
بقلم : تمارا الدراوشه
كنا نعتقد بأنه ستأتي لحظة يحشد الجميع شجاعته ، وجرأته فيها ، ويقول كلمته بكل صراحة ، بأن جمل عبود أجرب ، ولكن وكما هي قصة هذا المثل عندما وقف ذلك الرجل أمام الحاكم وقال يا مولاي جمل عبود وصمت ( وعبود هذا اسم الوزير المقرب من ذلك الحاكم ) وعندما سأل الحاكم ذلك الرجل ما به جمل عبود ،انتظر الرجل على أمل أن يكمل أولئك الذين حضروا معه ليكملوا العبارة ، ويقولوا أجرب ، لكن ما حصل هو أن الجميع صمت في حضرة الحاكم وان تلك الشجاعة التي كانوا قد حشدوها قد تبخرت فور وقوفهم أمام الحاكم ، فما كان من ذلك الرجل إلا أن أكمل العبارة وقال يا مولاي جمل عبود يحتاج إلى وليف،
وقصة المثل يعرفها الجميع ويعلم الجميع أيضا أنها انطبقت على الكثير من ظروف حياتنا التي مررنا فيها ....
أقول وأنا أعلم بأنه لم يعد هناك من يستطيع أن يذكر الحقيقة ، فحال معظم نوابنا شاهد على ذلك والحمد لله .
ما دعاني للكتابة هو استخدام جراح أولئك المعوزين والمسحوقين اجتماعيا ، وماديا والقاطنين في الأطراف ، وفي المواقع التي يعرفها معظم المسؤولين من خلال الأوراق أو التقارير التي تؤكد بأنها مناطق أقل حظا وأكثر فقرا ، أما على الأرض فانا اجزم أن الأغلب منهم لا يعرفها ويتمنى أن لا يعرفها ، نعم استخدام جراح الأسر العفيفة للرقص عليها إعلاميا وكأن الهدف لم يكن أكثر من ضربة استباقية لحملة انتخابية قادمة .
عندما يتم توزيع مساعدات على أسر عفيفة هنا وهناك ، فأن ذلك يعتبر عملا نبيلا ، ويستحق كل من قام به وعليه الجزاء في الدنيا والآخرة ، لكن بشرط أن لا تكون منة يتبعها أذى ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن خير الصدقات هي ما تتصدق به يمينك دون أن تعلم به شمالك ، هذا هو النبل في تقديم المساعدات .
أما ما رأيناه مؤخرا على إحدى القنوات الفضائية المحلية ، من خلال نقل تفاصيل توزيع المساعدات على قرى وعلى اسر، وتصوير تلك الحالات بشكل مؤذي نفسيا ، واجتماعيا ، وفوق كل ذلك يتم إعادة تلك التفاصيل على تلك القناة أكثر من مرة ، ليتم عرض بطولة أولئك المحسنين وهم يرقصون على جراح تلك الأسر العفيفة ، حتى أن بعض المواقف كان تصويرها أشبه بتصوير وقوف الأيتام على أبواب اللئام ، فما الهدف من ذلك هل هو التشهير بالتقصير الحكومي اتجاه تلك المناطق ، أم هو تلميع لأشخاص يبحثون عن طرق وأيا كانت هذه الطرق ليبقوا في الصفوف الأمامية حسب اعتقادهم .
لقد أحزنني جدا أن يتم تصوير أسر ترتدي الزي البدوي ، الذي يحمل كل معاني الكرامة و الأصالة ، فتأسيس إمارة شرق الأردن بدأ من تلك الصحاري وشارك فيها أولئك الذين لازالوا يرتدون زيهم بشموخ وعز وكرامة ، فلماذا ونحن نريد أن نساعدهم أو نقدم لهم معونة نحاول أن ننتقص من إنسانيتهم ، وكرامتهم ، بدعوى أن التصوير للتشهير بالتقصير الحكومي .
أنا لا أدافع عن الحكومة ، ولكن أدافع عن أولئك الذين تحسبهم أغنياء من شدة التعفف ، أليس الأجدر أن نجد لهم حلول جذرية وبديلة ، وكما قال المثل الصيني ( أن تعلمني الصيد مرة أكرم لي من أن تعطيني سمكة كل مرة ).
وهناك قضية أخرى لا تقل آلما أو حزنا من هذه ، وهي عندما يتم ربط المناطق التي كانت منطلقا لجيوش الثورة العربية الكبرى ، والتي ساهمت في تأسيس إمارة شرق الأردن ، عندما يتم ربطها بالمخدرات وسرقة السيارات ، وكأن كل قضايا المخدرات وقضايا سرقة السيارات قد تم اختصارها في بعض المناطق ، وفقط لأنها نائية ، وتقع بالأطراف ، وللعلم فإن كل منطقة أينما وجدت ، فانه يوجد بها من هو خارج عن القانون ،وبنسب أعلى من المناطق النائية ، لكننا دائما نسمع بأن هناك عمليات أمنية نوعية ، قد تم تنفيذها وأنها حققت نتائج كبيرة حسب قول بعض المسؤولين ، لكن الحقيقة يعلمها الله .
أتساءل هنا لماذا يتم تشويه صورة مناطقنا بتاريخها العريق ، الممتد منذ تأسيس الأردن وفوق ذلك يطال التشويه صورة سكان تلك المناطق ، لا لسبب ، فذنبهم الوحيد أنهم قبلوا الحياة بالأطراف ،حتى أصبح من يقرا اسم تلك المناطق أو يرى صورا لسكانها، يتبادر لذهنه صورة مناطق خارجة عن القانون ، وأن سكانها ما هم إلا قطاع طرق .
اعتقد أنه يكفي تشويه الصورة عند هذا الحد ، فالحكومة أن عجزت عن توزيع المكتسبات بشكل عادل ، فانه أولى بها أن تحمي صورة تلك المناطق ، وقاطنيها من التشويه أكثر وأكثر , وأن لا تسمح إلى أي جهة أن تسئ لباديتنا ، وأهلنا فكلمة الحق التي يراد بها باطل أبدا لا نريدها فالحرة تجوع ولا تأكل بثدييها ، ويكفي رقصا على جراحنا .