07-01-2014 11:04 AM
بقلم : أيمن موسى الشبول
وطننا اليوم مثقل بالديون والتي وصلت لقرابة الخمسة وعشرون مليار دولار أمريكي ، ولكن كيف وصل الدين الأردني لهذا الرقم الكبير ؟ وأين ذهبت هذه المليارات الكثيرة ؟ لا أحد يدري !
ولكن الجواب سيستخلصه كل من حاول أحصاء المسئولين الذين ( بليونوا ) فجأة في هذا البلد ، وكل من حاول التعرف لأعداد الموردين والمستوردين والتجار والمتعهدين و ... الذين أصبحوا أسماك قرش„ وحيتان أطلسية فجأة في هذا البلد ...
قبل عدة سنوات ذهبت في زيارة إلى ألحمة الأردنية القديمة لغاية الاستشفاء ومن أجل التمتع في الطبيعة الجميلة هناك ، ولكي أستذكر من هناك الجولان السوري وفلسطيننا الحبيبة والسليبة ، ولأسترجع بطولات الأولين في اليرموك وحطين وفي عين جالوت وأجنادين ...
وفي الطريق إلى الحمة مررنا على ألآثار الجميلة لمدينة أم قيس وعشنا لبعض الوقت مع الحضارة القديمة والفنون الجميلة ، ثم تابعنا رحلتنا للحمة الاردنية القديمة في المخيبة التحتا ، كنت عندها في شوق كبير لحمام معدني يطيح بهمومي ويذهب بأوجاعي ، ولكنني تفاجئت بزوال الحمة القديمة عن الوجود وبأنها أكوام وركام ، فأسرعت أبحث بين الركام عن السر الذي أحال هذا المنتجع الكبير لخراب ودمار ـ أهي هزة ارضية عنيفة أصابت هذا المنتج فمسحته عن الوجود ؟ أم هو صاروخ أسرائيلي سقط سهوا” هنا ؟ أم ماذا ؟ فقال لي الحارس الموجود هناك : عن أي شيء تبحث يا أخي ؟ فقلت له : عن السر الذي كوم هذا المنتجع وحوله إلى خراب ! فقال لي الحارس يا أخي : لقد باعوا هذه الحمة ، ولكن بعد عميلة البيع نشب خلاف بين البائع وبين المشتري ونتج عنه توقيف المشتري عن حرية التصرف بالحمة الأردنية ثم بقيت الحمة كما هي أمامك ! فقلت له باستغراب واستهجان : من الذي باع يا ترى ؟ هل هم سكان هذه القرية الذين ارتبط وجودهم وزراعتهم وأعمالهم وكل حياتهم بهذه المياه المتفجرة ومنذ الآف السنين ؟ فقال الحارس : أما البائعون فهم أشخاص من حكومتنا الأردنية الرشيدة ، وأما المشترون فهم أناس ملكوا الأموال الظائلة والوفيرة !!! ثم غادرت ذلك المكان وأنا أنظر بكل حسرة„ إلى بقايا ذلك المكان الخالد في ذاكرتي والذي جلست فيه مرارا” ، واراقب آثار هذه البركة حيث سبحت فيها مرارا” والى بقايا بركة البلسم والمقلى حيث سبحت فيهما كبيرا” وصغيرا” برفقة والدي وجدي وجدتي ...
قبل عشر سنوات ذهبت برفقة طلاب المدرسة في رحلة مدرسية لحمامات ماعين السياحية ، في ذلك الوقت كان المنتجع يخضع لادارة وزارة السياحة الأردنية وكانت الأجرة في ذلك الوقت : دينارين للمواطن الاردني ودينار واحد للطلاب ، ويدفعها الزائر للمنتجع مقابل الاستمتاع بكل الشلالات والبرك والخدمات الموجودة هناك ، عدا عن حرية السباحة بالمسبح التابع لفندق عشتار الموجود الموجود هناك ، لقد كانت رحلة جميلة ورائعة وخلدت في ذاكرتي وذاكرة طلاب المدرسة إلى الأبد .
ولكن قبل ثلاث سنوات قررت القيام برحلة„ أخرى لحمامات ماعين وبرفقة طلاب من المدرسة ، وكنت قد منيت أولئك الطلاب بأنها ستكون رحلة العمر والتي ستخلد في الذاكرة ، ولكن كم كانت المفاجئة لنا جميعا” عمدما اكتشفنا بأنه قد تم تأجير إو بيع هذا المنتج لأحد المستثمرين الباحثين عن الثروة ، والذي انطلق في محاولة„ سريعة„ لجرم وخنق كل شخص فكر بالقدوم لهذا الوادي السحيق بعد أن قسم الشلالات الستة لقسمين : قسم تابع لرواد الفندق المقتدرين ، وهو القسم الأحلى والأجمل والأنظف والأمتع ، وأما ما تبقى من هذا المنتجع السياحي وهو عبارة عن ثلاث شلالات فقد تم عزلها ليتزاحم عليها عامة الناس والزائرين ، وكانت المفاجئة الأخرى لنا بأن القسم المعزول لعامة الناس قد تضاعفت أجرته لتصل إلى عشرة دنانير للمواطن الأىدني وخمسة دنانير لطلاب المدارس !!!
كم تألمت وأنا أرى الكثير من المواطنين المرافقبن لأسرهم وقد يقررون الدوران والصعود ثانية من قيعان هذا الوادي السحيق والعميق بعد أن صعقتهم الأجرة المقررة للمواطن الأردني ...
بعد زبارتنا لحمامات ماعين قررنا الهبوط إلى البحر الميت ولكن الأمر قد تكرر معنا هناك ؛ ففد تفاجئنا بأن ساحل البحر الميت قد أصبح في قبضة أحد المستثمرين فقلت للمسئول الواقف على الباب : كم هي التذكرة ؟ فقال : ثلاثة دنانير فقلت له . وكم هي لطلاب اامدارس ؟ فقال لي : دينارين ..فقلت له : دينارين ومقابل ماذا ؟ فقال مقابل الدخول والسباحة في البحر ... فقلت له : إن هذا البحر هو آية من آيات الله وعبرة أزلية باقية ؛ ألا تريدون للناس أن تعتبر ؟ يا أخي : إننا لا نريد السباحة ، فقط نريد التأمل والتدبر والنظر من قريب إلى هذا البحر ثم نخرج بسرعة ... فقال : إدفعوا عن كل طالب دينارين ، فقلت له : وداعا” إلى أن يعود إلينا هذا الوطن المنهوب الينا ، وداعا” إلى أن يعود للمواطن الأردني المسكين : أرضه وبحره ونبعه وماؤه ونهره وكرامته وداعا” ، وداعا” ...
ولكن السؤال الذي لازمني وإلى اليوم هو : قد يسوح الغني في وطنه فيشاهده من أقصاه وإلى أقصاه ؛ ولكن الفقير والمعدم كيف ومتى سيرى هذا الوطن؟! إنهم في دول الخليج يسيرون رحلات سنوية مجانية وشاملة لطلاب المدارس لأجل أن يتعرف الطلاب على كل ربوع أوطانهم ، ولكي يشربوا من ماءه ولستنشقوا هواءه ، وليستكشفوا تاريخه ويستذكروا أمجاده ، فيزدادوا تمسكا” به وتعلقا” فيه وانتماء” اليه ... ولكن الأمر في هذا البلد مختلف تماما” ، فالفقير لا يقوى عل مغادرة قريته وبلدته ومدينته في اجازته أبدا” ، وإن فكر بأن يسوح في ربوع وطنه فسيضطر لأن يستدين أو سيعود إلى بيته كسيرا” وبائسا” ليناجي وطنه المنهوب والمسروق من بعيد ...