14-01-2014 10:26 AM
بقلم : غالب سالم عياصره
جاء ميلاد سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والتسليم في الثاني عشر من ربيع الاول من عام الفيل ايذانا بالتغيير وتعمير القلوب والأرض بذكر الله سبحانه وتعالى وقد شرح الله صدره وأرسله الى العالمين بشيرا ونذيرا وداعيا الى الصراط المستقيم والحق القويم وسراجا منيرا ليخرج الناس من الظلمات الى النور ومن عبادة العباد الى عبادة رب العباد ومن جور الاديان الى عدل الاسلام ويرتقي بالإنسان من وحل الرذيلة الى الفضيلة والخلق الكريم فقد زكاه الله تعالى حين قال " وانك لعلى خلق عظيم " صدق الله العظيم
شهادة من رب العالمين لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، النبي الامي الصادق الامين ، تميز عن اقرانه بأفضل ما عرفت البشرية من حسن الخلق فلم يسع يوما الى اللهو ومشاركة الناس ما اعتادوا عليه من عادات لا تتفق مع فطرة الله التي فطرها عليها فانصرف الى العمل والتفكر " سبحانك ربنا ما خلقت هذا باطلا. سبحانك فقنا عذاب النار" الى ان جاء الروح جبريل عليه السلام يأمره اقرأ .. اقرأ .. اقرأ وهو يردد ما انا بقارئ ثم جاءت الايات ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم﴾
إنها السورة الأولى نزولاً في القرآن ، وتبدأ باسم الله ، وتوجه الرسول في أول لحظة من لحظات اتصاله بالملأ الأعلى ، إلى أن يقرأ باسم الله ﴿أقرأ باسم ربك﴾ وتبدأ من صفات الرب التي بها الخلق والبدء : (الذي خلق) ثم تخصص : خلق الإنسان ومبدأه : ﴿خلق الإنسان من علق﴾ ... من تلك النقطة الدموية العالقة بالرحم. من ذلك المنشأ الصغير الساذج التكوين. فتدل على كرم الخالق فوق ما تدل على قدرته. فمن رفع هذا العلق إلى درجة الإنسان ؟ وإنها لنقله بعيدة بين المنشأ والمصير. ولكن الله قادر كريم.وإلى جانب هذه الحقيقة تبرز حقيقة التعليم... تعليم الرب للإنسان (بالقلم) لأن القلم كان وما يزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثراً في حياة الإنسان. والله يعلم قيمة القلم فيشير إليه في أول لحظة من لحظات الرسالة الأخيرة للبشرية.
بهذه الايات تلقى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام رسالة ربه فعاد مسرعا الى بيته وقص على زوجته خديجة رضى الله عنها قصته فآمنت بما انزل عليه وبعد رحيلها ورحيل عمه أبو طالب نال رسولنا الكثير من اذى المشركين وأصابه الحزن الشديد حتى سمي ذلك العام عام الحزن ولم يجد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بُدا من عرض رسالته على اهل الطائف علّهم ينصرونه ويؤمنون به ولكن ردهم قاس حيث تعرض له صبيانهم ونساؤهم ورجالهم بالشتم والاستهزاء وقذفوه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين .
فخرج من الطائف اكثر حزنا وألما ثم دخل احدى المزارع القريبة وجلس يناجي ربه ، فمد يديه الى السماء قائلا" "اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي ، وَقِلَّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي ، إلى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي ؟ أَمْ إلى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلاَ أُبَالِي ، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ".
ولكن الله يريد ان يحق الحق ويزهق الباطل ويجعل دينه ظاهرا على الدين كله ولو كره الكافرون فجعل لرسوله النصر وحفظ القرآن الى يوم يبعثون قال تعالى : " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " فصبر على اذى قريش وهاجر الى المدينة وشارك في العديد من الغزوات وجرح وكسرت رباعيته وشج وجهه الكريم وجاع وعطش ونام على الحصير ولم يمتلك الدرهم ولا الدينار في بيته البسيط بل ماء وبضع تمرات ونعى الله نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3
قال ابنُ كثير مفسرا لهذه الاية أكمل الله تعالى لهم دينَهم، فلا يحتاجون إلى دينٍ غيره ، ولا إلى نبيٍّ غير نبيِّهم - صلَوات الله وسلامُه عليه - ولهذا جعله الله تعالى خاتمَ الأنبياء، وبعَثَه إلى الإنسِ والجنِّ، فلا حلالَ إلاَّ ما أحلَّه، ولا حرام إلاَّ ما حرَّمه، ولا دين إلاَّ ما شرعَه، وكلّ شيء أخبرَ به فهو حقّ وصدق لا كذب فيه ولا خُلف، كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ﴾ [الأنعام: 115 ثم مات رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بعد يوم عرفة بواحدٍ وثَمانين يومًا.
وقد اجتمع أطراف التصور الإيماني في دين الاسلام لكافة العالميين .. الخلق والنشأة. والتكريم والتعليم.. ثم..الرجعة والمآب لله وحده بلا شريك : ﴿إن إلى ربك الرجعى﴾. والحمدُ الله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آلِه وصحْبِه أجْمعين.