28-01-2014 10:07 AM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
ورد في لسان العرب: أن أصل كلمة الابتزاز مصدرها "أبتز " أي "استلب"، وقالت العرب: ابتززت الشيء: استلبته، وجاء في الأمثال: من عز بز، أي من غلب سلب، وهو يشير هنا إلى أن من امتلك القوة أو الصوت المرتفع أو انتهز اللحظة المؤاتيه قد يحصل على ما لا يستحق.
والابتزاز كسلوك اجتماعي، أو ادري، يعد من أوجه الفساد الذي يمارسه الموظف أو السياسي، والنائب أيضا، يتمكن من خلاله استغلال الظرف السائد للحصول على مكاسب أضافية، في غالبيتها دون وجه حق، ويلتقي الابتزاز مع الرشوة في النهاية، ألا أن الأخيرة تدفع " طواعية" من قبل مقدمها، نظير خدمة يسعى للحصول عليها بطرق غير شرعية، بينما الأولى تنطلق من التهديد واستغلال الظرف أو انتهاز الفرصة للانقضاض والحصول على المكاسب، دون الالتزام بجملة المعايير القيميه والأخلاقية غالباً، حيث يسود مفهوم " أن هبت رياحك فاغتنمها، فعقبى كل خافقة سكون"،!!.
والحقيقة أن الابتزاز، ليس حكراً على الأفراد فقط، فهو يمتد ليشمل التكوينات الاجتماعية على اختلافها، والمؤسسات والمنظمات، ووسائل الأعلام، وصولاٍ للدول والأنظمة السياسية، والابتزاز السياسي عموماً هو أكثر أنواع الابتزاز رداءة وسوءً على الإطلاق، وهو موجود من بدء الخليقة ومستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
تلك مقدمة، ولكنها تشكل مدخلاً مهما للحديث عن مما هو سائد هذه الأيام في مختلف مناحي حياتنا،بدءً من المدارس والجامعات إلى المؤسسات والشركات مروراً بالوزارات والهيئات والمجالس المنتخبة، والمعينة، والأحزاب، وصولاً للحراكات المطالبة بالإصلاح والتغيير،وهي آخذة في الاتساع بالرغم من المحاولات الحكومية المتكررة محاصرتها قانونيا من خلال تطوير التشريعات وتغليظ الإجراءات العقابية!!.
لا يكاد يمر نهار، دون أن نسمع عن إضراب هنا، أو اعتصام هناك، أو توقف جزئي للعمل، وجلها تطالب بمزيد من المكاسب المادية والوظيفية، وقد تعزز هذا الأمر أكثر وخرج الناس عن طورهم المعتاد في الاحتجاج، وإدعاء المظلومية، وغياب العدالة في إعطاء الفرص، بشكل غير معهود في الشخصية الأردنية بعد ما يسمى بالربيع العربي، وساهمت سياسة الاسترضاء،والتسكين والتخدير الموضعي التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة دون أسس واضحة ومرجعية محكمة، إلى سيادة حالة الفلتان، والاستقواء والتمرد، وطلب المزيد، تلك السياسات التي لم تسعى للأسف لإجتراح حلول جذريه تضمن رفع المظالم عن كل الناس، فكان الخيار الأسهل مرحلياً هو الاستيعاب المؤقت، والترحيل لتتراكم الأزمات وتتعمق!!.
وللإنصاف فالأمر لا ينطبق فقط على الموظفين العاديين، بل يتعدى ليشمل بعض أعضاء الطبقة النخب السياسية، الذين سرعان ما يعلنوا احتجاجهم ورفضهم وتمردهم أحيانا على أمل أن ينالهم من الرضا وسياسية الاحتواء جانب، أو يتلقوا وعداً "وازناً" بأنهم في البال ولن يتأخر وجودهم في مقاعد الاحتياط ، إذ لا يمكن الاستغناء عن مخزونهم في المعرفة والخبرة أيضاً!!.
ولابد من أن استدرك فأذكر، أنني لا اقصد الاحتجاج المنطقي وممارسات أي نوع من الضغوط السلمية التي تكفلها كل القوانين والأنظمة المتبعة والمقرة عالمياً، فهذا حق للناس وعليهم أن يتمسكوا به ويدافعوا عنه، ولكن الإشارة مهمة هنا، فما يجري هذه الأيام في كل مناحي حياتنا يتجاوز حدود الظاهرة ليصبح جزء من الثقافة المجتمعية ،فأصبحت العملية متبادلة بين الطرفين المواطن والمسئول، ويحضرني في هذا المجال قصة طريفة حدثت، انه في بدايات الحراكات الاحتجاجية في الأردن كنت أتابع المتحمسين بعنف للتغيير والإصلاح الجذري، وفجاءه ودون مقدمات اختفى البعض من هؤلاء الأشخاص من الساحات والمسيرات، لنعرف فيما بعد أنهم التحقوا في وظائف حكومية وشركات تابعه للحكومة، أما زميلهم الأخر فلم يقبل أي عرض مما عرض عليه لتواضع تلك العروض يومها قياسا على الطموح الكبير، فهو ينتظر أن يحمل "حقيبة" أو أن "تحمله"- لا فرق- أو أن يصبح "لورداً"،!!.
الابتزاز: بهذه المعاني التي ذكرت، خطير بكل المقاييس، وكفيل بنسف منظومة القيم الدينية والأخلاقية، والاجتماعية، التي تحكم حياتنا وتصبغ إنسانيتنا، فلقد توغلت هذه الثقافة وتأصلت أكثر فينا، مواطنين ومسؤولين، وأصبحت متلازمة يومية في كل تصرفاتنا وسلوكياتنا، ولابد لنا من الخروج من دائرة التأشير والانتقاد إلى دائرة الفعل المؤثر وأولى هذه الخطوات تكريس مفهوم العدالة من قبل الحكومات استناداً إلى مرجعيات" مقدسة" و "مؤسسية"، وان نسعى جميعاً إلى صياغة عقد جديد في العلاقة بين الناس وحكوماتهم تضمن لكل طرف حدود واجباته وحقوقه دون استثناء وتمييز.
من المؤسف والمحزن والمؤلم، أن تكون نظرة البعض لهذا الوطن قاصرة على المكاسب والمنافع فقط، في ظل ظروفه الصعبة، والتي ما مرت عليه لحظة تاريخية منذ أن كان ألا وكانت المخاطر من حوله تهدده في وجوده ومستقبله، ولعلنا نعيش الآن واحده من أخطرها منذ 93 عاما،في ظل الحديث عن الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
ولعل الأسف والشعور بالخذلان يبدو مضاعف، عندما تكون هذه النظرة ممن كانوا جزء من التركيبية الرسمية، فربما نقبل ونعذر حماس بعض أصحاب الحاجات والمظالم!!،ولكن كيف لنا أن نعذر من حملهم الأردن على ظهره ردحاً طويلاً من الزمن ولم يئن ويشكو رغم الكلفة العالية دون وجود أي عائد يذكر سوى النكران، وظل يمنحهم القائمة الطويلة التي لا تنتهي من ألقاب التفخيم والتبجيل والتضخيم؟!!.