29-01-2014 02:26 PM
بقلم : أيمن موسى الشبول
لا يمكننا الجزم بأن الربيع العربي كان صناعة غربية ولعبة أمريكية وصهيونية على شعوبنا العربية كما يدعي البعض ، فبعد عصور الظلم والظلام والقهر والاستبداد ، وبعد أن نخر الفقر والفساد جسد أمتنا العربية لسنوات وعقود كان لا بد للشعوب العربية الحرة بأن تتتفض في وجه أنظمتها ، وفي المقايل فلا يمكننا انكار وجود المؤامرات الغربية والصهيونية الأزلية والهادفة لتمزيق أمتنا ولنهب خيراتنا ولإضعاف عزيمتنا وتدمير قوتنا .
فاجأ الربيع العربي العالم أجمع في بداية الأمر كما فاجأ الدول الاستعمارية والانتهازية أيضا” ، ولكن لدى الدول الإستعمارية والانتهازية من الخطط الماكرة ومن القوة الضاربة ومن الأدوات الفاعلة ما أمكنها التحكم بهذا الطوفان العربي المفاجئ بسهولة„ ويسر .
عندما بدأت الانتفاضة العربية في تونس الخضراء ، أوعز المستعمرون لعميلهم هناك بسرعة الهروب والفرار ، ولكن الاستعمار لم يذهب في سبات عميق وتهييء لركوب الموجة التونسبة لتماشي أهوآئه الخبيثة ولتواكب مصالحه المشبوهة ...
أما في مصر فقد حاولت الدول الا ستعمارية تكرار السبناريو التونسي نفسه ، ولكن بتصميم„ جديد„ وبإخراج جديد„ عساهم أن يحفظوا شيئا” من ماء وجه عميلهم المخضرم والمطيع والخدوم ، ولكي يجنبوه مهانة الفرار فقد أوعزوا إليه بفكرة التنحي عن المشهد المصري وتسليمه لقادة الجيش ، وبعد تنحيته وجد المستعمرون صعوبة بالغة” في تطويع وترويض الموجة المصرية الهادرة ، فسارعوا لأحداث موجات ( ثورية ) مفتعلة ومعاكسة للثورة الحقيقية ، مستخدمين لأجل ذلك شعارات رنانة وطنانة : ثورة تصحيحية ، إستعادة الثورة المصرية المسروقة ... الخ ، ومعتمدين على التزييف والخداع والاختلاق عبر وسائل إعلامهم ومختبئين وراء قوة الجيش الفتاكة !
ولكن الهدف النهائي للاستعمار يتمثل بكيفية : حرف الثورة عن مسارها الصحيح ثم تفتيت قوتها وتشويه سمعة قادتها الحقيقين ، ومحاولة التمويه عليها بافتعال الثورات المزيفة وبتقديم خرائط ملتوية وخادعة للحل .
وفي اليمن تمت الأمور بخطط مشابهة” لما تم في مصر وتونس ؛ فقد أوعز المستعمرون للعميل اليمني بسرعة الاستقالة وبتسليم مقاليد الأمور لنائبه المباشر ، ولكن الاستعمار لا زال موجودا” وفاعلا” بقوة هناك ويحاول جاهدا” تطويع الموجة اليمنية توجيه مسارها لتحقيق أهدافه وغاياته المشبوهة .
إذن فالأمور سارت في وطننا العربي الكبير ولا زالت تسير بما يشتهيه ويتمناه المستعمرون والانتهازيون واليهود ; فرار للرئيس التونسي فقط ! واستقالة للرئيس اليمني فقط ! وتنح„ للرئيس المصري فقط ! ... هذا كل ما سمح الاستعمار بتقديمه للشعوب العربية المنتفضة والثائرة في دول„ عربية„ محسوبة„ على الغرب والأمريكان ، ولكن الأمر قك اختلف في ليبيا : فهذه الدولة لم تكن على وفاق كبير مع الغرب الاستعماري ، كما أنها تحتوي على كميات كبيرة من مخزونات النفط العالمي ، ناهيك عن وجود رئيس يرفض الاستقالة ولا يعترف بأنه رئيس أصلا” ! عدا عن خضوع الجيش الليبي لقيادة„ مباشرة„ من أبناء الرئيس الليبي ... إلخ ، فكان الخيار السريع للاستعماريين اللجوء للقوة العسكرية والسيطرة على النفط الليبي المهم للغرب الاستعماري ، كما حاول المستعمر تلميع وجهه ومحاولة كسب ود الجماهير الليبية والعربية بادعاءهم الحرص على حرية الشعوب العربية ، وبأنهم المنقذين والمحررين وأصحاب الضمائر الحية والقلوب الرحيمة ، ولكن الاستعمار اجتهد بعد ذلك لضبط ايقاع الثورة الليبية ليتماشى مع رؤى الاستعمار ومع خططه وخطاه ... أما في سوريا العربية فلم يكن سهلا” على الاستعمار توجيه الموجة السورية كيفما شاء : فالنظام السوري لم يكن محسوبا” على الغرب في يوم„ من الأيام ، وهو نظام روسي الهوى وايراني الرؤى ، لذا كان من الصعب على الاستعمار توجيهه وإخضاعه بسهولة ؛ وكلنا يعلم بأن الاهتمام الاستعماري يتركز في وطننا العربي على مجموعة أهداف وأهمها : البترول العربي وهو الموجود بكميات„ ضئيلة„ في سوريا ، والهدف الآخر هو : المحافظة على أمن وقدرات اسرائيل العسكرية المتفوقة في المنطقة العربية ، وهذا الهدف كان مهددا” في ظل وجود ترسانة ضخمة„ من الأسلحة الكيماوية السورية ، لذا فقد اشتغل المستعمرون ولمدة سنتين كاملتين من الصراع السوري على كيفية وضع أيديهم على ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية الهائلة ، وكم كانت سعادتهم وفرحتهم عندما تمكنوا من تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي المهم لضمان أمن وتمدد وتفوق اسرائيل .
وبعد تحقيق المستعمرون لهذا الهدف المهم قل اهتمامهم لكل ما يجري في سوريا من قتل وابادة ودمار ؛ ولو مسحت سوريا العربية فهذا لا يهم الاستعمار فالمهم هو حماية أمن اسرائيل والمحافظة على تفوقها العسكري وهذا الهدف قد تحقق ...
فالمستعمرون واليهود معهم يعيشون في أسعد لحظات حياتهم ؛ حيث باتت الخيارات حلوة وجميلة أمامهم ؛ فإما : أنظمة عميلة ترصخ للاملاءآت المطلوبة من دون تردد وتلكؤ وإما أنظمة منهكة وضعيفة ومفككة ومنهارة ومدمرة ويمكن مساومتها بسهولة ...
فما أشبه اليوم بالبارحة ! وكأنني بالتاريخ العربي يكرر نفسه وبنفس الطريقة الاستعمارية الخبيثة التي جرت قبل قرن„ من الزمان ، فالمخططات الاستعمارية التي نراها اليوم في بلادنا العربية هي نفس المخططات الاستعمارية القديمة والتي حيكيت عقب انظلاق الثورة العربية الكبرى في عام ١٩١٦ م ، حيث اجتمع قادة الاستعمار البريطاني والفرنسي في أعقاب تلك الثورة العربية وقرروا تنفيذ خططهم الخبيثة والالتفاف على كامل منجزات الثورة العربية الكبرى ، وبعد أن نقضوا بعهودهم التي قظعوها للعرب وبعد أن نكثوا بالمواثيق والتعهدات الموقعة مع قادة الثورة العربية الكبرى ، غدرروا بقادتها الشرفاء وكان مصير مفجرها الأول : الشريف الحسين بن علي النفي الى جزيرة قبرص ... ،
ثم جلسوا بعد ذلك لتقاسم الكعكة العربية فيما بينهم وليعقدوا اتفاقية : سايكس بيكو ، والتي قسمت الوطن العربي الكبير لدويلات وكيانات صغيرة ؛ ليسهل عليهم تطويعها ثم التحكم في مصائرها ونهب كامل خيراتها ، وشرعوا في تهيئة الظروف المناسبة لاشهار الكيان الصهبوني المسخ على الارض الفلسطينية ، كما أطلقوا العنان لتنفيذ وعد بلفور المشئوم عن فتح أبواب الهجرة لقطعان اليهود القادمة لأرض فلسطين العربية ... واليوم نرى الأشياء نفسها تتكرر في وطننا العربي الكبير ؛ فبعد أن غدر المستعمرون بقادة ربيعنا العربي الشرفاء والأبطال وزجوهم في المعتقلات والسجون ؛ نراهم اليوم وهم يسابقون الزمن للالتفاف على كل منجزات هذا الربيع العربي ، وبعد أن باركوه وناصروه في بداية الأمر نجدهم ينقلبون عليه ويتآمرون عليه ويجهزون عليه في نهاية الأمر ، وبعد تخريبهم للبلاد العربية وبعد تدميرهم لأقوى الجيوش العربية وبعد تحيدهم للجيوش الباقية نجدهم يهرعون وبكل لهفة„ لتمرير صفقاتهم المشبوهة بممارسة الضغوط على بعض الأنظمة العربية للاعتراف بيهودية اسرائيل ، وهو المشروع الرامي لتصفية القضية الفلسطينية وانهاءها ولترسيخ وجود الكيان اليهودي على كل الأرض الفلسطينية ، ويمكن أن نشاهد في المستقبل القريب خرائط استعمارية جديدة وتقسيمات ورسومات جديدة تلبي أهداف اليهود القديمة والجديدة ومشاريع المستعمرين المتنامية والمتجددة ...