30-01-2014 06:58 PM
سرايا - سرايا - تحصد المملكة العربية السعودية، بفضل ثرواتها النفطية، منذ سبعينات القرن الماضي، ثروات هائلة، لتحتل موقع منتج النفط الأول على مستوى العالم، بإنتاج وصل متوسط معدله في عام 2013 إلى نحو 9.8 مليون برميل يوميا، إلا أن ذلك لم يمنع من تسلل الفقر، ليطال ملايين السعوديين.
وقد ساعدت الفوائض النفطية على تحقيق فائض بموازنة العام الماضي 2013 بنحو 55 مليار دولار، ما أسهم في زيادة أصول الصندوق السيادي للمملكة، أقوى اقتصاديات الشرق الأوسط، إلى نحو 676 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وفق تقديرات معهد صناديق الثروة السيادية، الأمريكي، وهو ما يجعل الحديث عن الفقر والنفط في المملكة العربية السعودية نوع من المفارقة.
إذ من شأن هذه الإيرادات النفطية المتدفقة ولسنوات طويلة، أن يؤدي إلى تجربة تنموية عمادها الإنتاج، والانتقال من تصنيف الدول النامية إلى تصنيف أفضل.
ويكتسب الاقتصاد السعودي العديد من السمات الخاصة بالاقتصاديات النامية، من حيث الاعتماد على الاقتصاد الريعي، وتراجع نصيب القطاع الإنتاجي في الناتج المحلي الإجمالي، ومحدودية مساهمة الصناعات التحويلية كذلك في الناتج المحلي الإجمالي.
فتقديرات البنك الدولي للناتج المحلي الإجمالي بالمملكة العربية السعودية لعام 2012 بالأسعار الجارية 711 مليار دولار، ويزيد نصيب الفرد في المتوسط من الدخل القومي إلى 22 ألف دولار سنويًا، ولكن في الوقت نفسه تشير دراسات مجلس التعاون الخليجي إلى وصول معدلات البطالة بالسعودية إلى 11%.
وتندر المصادر الرسمية المباشرة التي تتناول مشكلة الفقر في السعودية، ولكن من خلال قراءة الأرقام لبعض البنود التي يمكن من خلالها، رصد مظاهر مشكلة الفقر هناك، وإن كانت التقديرات غير الرسمية من تشير إلى نسبة فقراء بالمملكة تصل إلى 25% من السعوديين، البالغ عددهم نحو 20 مليون مواطن، بما يعادل 5 ملايين مواطن .
نعم الفقر نسبي، ويختلف من بلد إلى بلد، لكن تبقى حاجات الإنسان الأساسية التي بدونها يعد فقيرًا، ليس فقط فقر الدخل، ولكن هناك الفقر متعدد الأبعاد، الذي يعد مؤشرًا مركبًا يضم جوانب العجز في مجالات التعليم والصحة والدخل.
ومن خلال مطالعة تقرير التنمية البشرية العالمي، لعام 2013، نجد أنه لا يحوي أية بيانات عن الفقر في المملكة العربية السعودية، سواء ما يخص فقر الدخل أو فقر الامكانيات، على الرغم من أن التقرير يتناول كافة البيانات الأخرى عن المملكة، والتي جاء ترتيبها على مؤشر التنمية البشرية لنفس العام في المرتبة 57 من بين دول العالم التي شملها التقرير وعددها 186 دولة.
ومن عجب، أن الرقم الذي يمكن إسناده إلى جهة، يخص تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية، نقلت عنه جريدة الرياض، السعودية، أن نسبة الفقر في المملكة العربية السعودية بحدود 12.5%، وذلك عن بيانات عام 2003، أي قبل ما يزيد عن عشر سنوات.
• شواهد على الفقر
من البيانات الموثقة عن وجود الفقر بالسعودية، ما جاء في بيان الموازنة العام للملكة عن العام 2014، حيث جاء ضمن المخصصات مبلغ 29 مليار ريال سعودي (7.7 مليار دولار)، لبرامج معالجة الفقر، والمخصصات السنوية المتعلقة بالأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، والضمان الاجتماعي.
وإذا كانت موازنة المملكة رصدت هذه الأموال لبرامج معالجة الفقر وغيرها من البرامج التي تقدم للمهمشين بالمجتمع السعودي، فمن الأجدر أن تنشر بيانات الفقر، من قبيل الشفافية، وحتى تتاح قراءة حقيقية لتداعيات الظاهرة اجتماعيًا وسياسيًا. ولكن للأسف لا توجد أرقام منشورة من قبل المؤسسات السعودية، أسوة ببعض الدول العربية، حتى أن قاعدة بيانات البنك الدولي خلت من بيانات الفقر التي تخص المملكة العربية السعودية.
وتمثل مخصصات الموازنة لمواجهة برامج معالجة الفقر، والبرامج الأخرى التي يستفيد منها المهمشين اجتماعيًا بالمملكة نسبة 3.3% من إجمالي الإنفاق لنفس العام والبالغ 855 مليار ريال سعودي.
وحسب بيانات لوزارة الشئون الاجتماعية فإن أكثر 1.5 مليون سعودي يستفيدون من خدمات الضمان الاجتماعي الذي تقدمه الوزارة.
والمعلوم أن معاش الضمان الاجتماعي لا يكون مقابل اشتراك، ولكنه يقدم لمن تقعد بهم امكانياتهم عن الكسب، إذ تنحصر الفئات المستفيدة من معاش الضمان الاجتماعي بين المصابين بالعجز الكلي، والأيتام، والنساء، وحاملي بطاقات التنقل.
وحسب بيانات وزارة الشئون الاجتماعية، فإن معاش الضمان الاجتماعي يقدم للأفراد والعائلات حسب أعضاءها، إذ لا يزيد عدد أفراد الأسرة المستفيدة عن 15 فردًا، فالأسرة المكونة من فرد واحد تحصل على مخصصات شهرية 862 ريال، بينما الأسرة التي يصل عدد أفرادها إلى 15 فردًا تحصل على 4840 ريال.
وهناك جدول مبين بالتقرير يبين طبيعة المخصصات الشهرية للعائلات حسب أعداد أفرادها.
وتعتبر مكة من أكبر المناطق المستفيدة من برامج الضمان الاجتماعي بواقع 308 ألف حالة، تليها الرياض بواقع 218 ألف حالة، فيما تعد الحدود الشمالية للملكة من أقل المناطق استفادة من برامج الضمان الاجتماعي بواقع 26 ألف حالة.
• تقويم برامج معالجة الفقر
تحتوي البرامج التي تعدها وزارة الشئون الاجتماعية بالسعودية، لمعالجة الفقر، على صنفين، الأول استهلاكي بطبيعته مثل تأمين نفقات فواتير الكهرباء والمياه، وتوفير الحقائب المدرسية، والمساعدات الغذائية، والتأمين الصحي للفقراء، وفرش وتأثيث مساكن الفقراء.
أما الصنف الثاني، فهو مشروعات تقليدية مثل ماكينات الخياطة، وإعداد الوجبات المنزلية، أو توفير أكشاك للبيع في الأماكن العامة، وغير ذلك.
ويعاني سوق العمل السعودي من تشوهات كبيرة، ففي الوقت الذي يعد فيه السوق السعودي من أكبر الأسواق لاستقبال العمالة الوافدة، يزيد عدد العاطلين، لعدم رغبة العمالة السعودية في القطاع الخدمي، والميل للعمل في القطاع الحكومي، وغياب العمالة السعودية المدربة على تلبية احتياجات السوق هناك.
وثمة أمر مهم يتعلق بعدالة توزيع الثروة، فبيانات العوائد النفطية، كافية لعيش كريم لكافة أفراد المجتمع السعودي والذي يصل عدد سكانه إلى 20.2 مليون نسمه.
كما أن الصناديق السيادية للملكة لا تتوفر عنها بيانات كافية، وبالتالي يبقى الحديث عن عدالة توزيع الثروة في المملكة العربية السعودية غير وارد.
فضلًا عما تتخذه المملكة العربية من توظيفات للإنفاق العام سياسيًا في المنطقة وخارجيًا، فمؤخرًا قدمت السعودية نحو 5 مليارات دولار دعمًا ماديًا ونفطيًا لمصر منذ عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي، في 3 يوليو/ تموز الماضي، كما تعهدت بشراء صفقة أسلحة لصالح الجيش اللبناني بواقع 3 مليارات دولار، تستورد من فرنسا.
تبقى مشكلة الفقر في السعودية، مثل باقي الدول تستلزم جهودًا حكومية ومجتمعية، للتخفيف من حدتها، وأن تستحضر الحكومة السعودية مسئوليتها بشأن تنشيط سوق العمل وتبني سياسات اقتصادية من شأنها استيعاب العاطلين والداخلين الجدد لسوق العمل، وكذلك توفير مزيد من الشفافية حول توزيع ثروة البلاد النفطية.
كما أن على المجتمع أن يغير من ثقافته تجاه العمل، ويؤهل أبناءه للدخول لسوق العمل بإمكانيات مناسبة، والتعامل مع العمل الحرفي والخدمي بمفهوم إيجابي، ومن الأهمية بمكان أن تتعاون الحكومة والمجتمع في ربط مخرجات المؤسسات التعليمية باحتياجات سوق العمل.(الاناضول)